فضل بن سعد البوعينين
تهتم مؤسسات التصنيف الائتماني بقياس الجدارة الائتمانية، للدول والشركات؛ وفق معايير محددة تضمن جودة المخرجات وموافقتها الواقع.
تحرص الدول والشركات للحصول على «تصنيف ائتماني» يعتمد عليه المستثمرون كمؤشر للجدارة الائتمانية التي تحدد قرار الاستثمار أولاً؛ ثم تكلفة السندات. أي خفض للتصنيف الائتماني قد يؤثر سلبًا على جاذبية الاستثمار؛ وبخاصة الاستثمار في السندات السيادية؛ لذا تسعى الدول والشركات للحصول على تصنيفات عادلة تعكس واقعها المالي وجدارتها الائتمانية؛ وبما يسهم في جذب الاستثمارات أو الاقتراض بسهولة وتكاليف منخفضة.
لا تخلو علاقة وكالات التصنيف بالدول والشركات من المواجهة لأسباب مرتبطة باختلاف وجهات النظر حول مخرجات التقييم النهائية. شركات التصنيف من الشركات الهادفة للربح؛ وبالتالي لا يمكن ضمان تحقيق النزاهة؛ لأسباب مالية صرفة؛ في الوقت الذي يمكن أن تتعرض تصنيفاتها للتوجيه المتعمد من الخارج. احترافية وكالات التصنيف لا تعني حياديتها؛ فالتاريخ مليء بالتصنيفات الخاطئة التي كبدت المستثمرين خسائر فادحة؛ وتسببت بانهيارات مالية مدمرة.
خفضت وكالة ستاندرد أند بورز التصنيف الائتماني للسعودية إلى A+ ونظرة مستقبلية سلبية؛ مرجعة قرارها «للتحديات التي تواجه المملكة في إيقاف الارتفاع في عجز الموازنة المالية». لم تستبعد الوكالة تخفيضًا آخر للتصنيف الائتماني في العامين القادمين «إذا عجزت المملكة عن تخفيض العجز في الموازنة بشكل كبير وقابل للاستمرار».
توسعت الوكالة في تحليلها السياسي وانعكاساته على اتخاذ «القرارات الصعبة»؛ وهو تحليل ربما اعتمدت فيه على شائعات مواقع التواصل الاجتماعي!.
وزارة المالية السعودية، وصفت قرار «ستاندرد اند بورز» بالمتسرع؛ وغير المبرر ومخالفته المنهجية؛ وتعارضه أساسيات التصنيف الفنية؛ وقالت إن التقييم «لم يكن بناء على طلب رسمي».
ردت وكالة موديز (moodys) العالمية على تقرير «ستاندرد اند بورز» سريعًا مثبتة تصنيف المملكة السيادي عند درجة ائتمانية عالية (AA3) مع إبقائها للنظرة المستقبلية المستقرة، مثنية في الوقت عينه على قوة وملاءة نظامها المصرفي.
أصبحت التصنيفات الائتمانية مسرحًا للتنافس بين الوكالات الباحثة عن الكسب المادي؛ والاستئثار بحصصها السوقية؛ وإن أدى ذلك إلى تشويه الحقائق؛ أو الاستهداف الابتزازي. تصنيفات «ستاندرد اند بورز» التاريخية للسعودية كانت مرتفعة جدًا حين ارتباطها بعقد مع وزارة المالية؛ ثم تبدلت رؤيتها الإيجابية بمجرد انتهاء العلاقة الرسمية معها. إنهاء «المالية» لعلاقتها مع الوكالة كان لأسباب مهنية صرفة. عانت «ستاندرد أند بورز» منذ العام 2008 تبعات تقييماتها المشبوهة لشركات الرهن العقاري التي تسببت في الأزمة المالية العالمية. وجهت الحكومة الأمريكية انتقادات حادة للوكالة بسبب فشلها في إظهار حقيقة الشركات الحاصلة على تصنيفات مرتفعة بخلاف واقعها المتردي.
أعلنت وزارة العدل الأمريكية في فبراير الماضي عن قبول وكالة «ستاندرد أند بورز» دفع مليار وأربعمائة مليون دولار لتسوية اتهامها بالتضليل المرتبط بسندات رهن عقاري قبل اندلاع الأزمة المالية العالمية، حيث منحت تصنيفات ائتمانية عالية لسندات تتصف بالمخاطر العالية. هل تعتبر «ستاندرد اند بورز» شذوذًا لقاعدة التصنيف الائتماني أم القاعدة نفسها؟!.
تبقى التصنيفات الائتمانية؛ برغم أهميتها؛ واعتماد الأسواق عليها كمؤشر مهم للجدارة الائتمانية؛ عرضة للتوجيه السلبي أو الإيجابي المتعمد؛ وبالتالي قد تتحول أداة إثبات الجدارة إلى أداة نفى كنتيجة مباشرة لتغير توجهات الوكالة وأهدافها مستقبلاً.
المبالغة في الاحتفاء بالتصنيفات العالمية؛ أو الانزعاج منها قد لا يكون مبررًا البتة. الاعتماد عليها كمؤشر لتحفيز الإصلاحات الاقتصادية أو تعزيز المكاسب وفق منهجية عملية شاملة هو الأصلح للاقتصاد؛ الذي يمكن لمخرجاته الإيجابية أو السلبية أن تفند مسرحيات التصنيف العالمية؛ التي لا تخلو في بعض جوانبها؛ من العبث والمصالح.
تمعنت في تصريحات وزير المالية الدكتور إبراهيم العساف؛ التي أكَّد فيها أن المملكة ماضية في إصلاحاتها الاقتصادية؛ للوصول إلى هدف تنويع الاقتصاد؛ الذي بدأت بوادر تنوعه تظهر في نسبة نمو الصادرات غير النفطية؛ ووجدت فيها الواقعية المسؤولة. قد تكون التقارير الناقدة أكثر فائدة لنا من تقارير الإشادة؛ ففيها من التحدي والتحفيز على الإصلاح الكثير. نحن أكثر دراية باقتصادنا الوطني؛ وقدرته على مواجهة الأزمات المالية؛ وأكثر ثقة بالله؛ وتوكلاً عليه. العمل الجاد لاستكمال الإصلاحات؛ ومعالجة المشكلات الاقتصادية العالقة؛ والانعتاق من الرؤية التقليدية نحو الرؤى الإبداعية في إدارة الاقتصاد ستضمن بإذن الله تحقيق الأهداف الإستراتيجية الطموحة؛ وستقدم للحكومة مؤشرًا دقيقًا على أداء الاقتصاد يعتمد في أساسياته على تحقيق الرفاهية؛ وتلاشي الأزمات؛ ورضى المواطنين.