فضل بن سعد البوعينين
لا يمكن لوزارة الإسكان أن تعالج أزمة السكن قبل الاعتراف بمسبباتها الرئيسة. قد تطرح الوزارة خيارات من البرامج المتنوعة؛ غير أنها لن تضمن نتائجها المرجوة؛ وربما تسبب بعضها بنتائج عكسية وغير متوقعة. على سبيل المثال؛ كان قرار رفع القرض العقاري من 300 ألف إلى 500 ألف من القرارات الداعمة للتمويل؛ إلا أن نتائجه لم تكن متوافقه مع الأهداف المتوقعة؛ بسبب استغلال العقاريون القرار لرفع قيمة شققهم السكنية للسيطرة على الزيادة المفاجئة في القرض؛ وإضافتها إلى هامش الربحية. ارتفعت قيمة الشقة من 300 ألف إلى 500 ألف بين ليلة وضحاها؛ كردة فعل لزيادة حجم القرض الطارئ.
زيادة القرض العقاري تسببت بشكل مباشر في تغذية تضخم العقار؛ وبخاصة الشقق السكنية التي ارتفعت بنسبة 66 في المائة؛ دون أن تسهم في معالجة الأزمة. القرض الإضافي؛ وبرنامج ضامن لم يحققا أهدافهما المرجوة؛ بل أزعم أن صندوق التنمية فشل في تسويقهما بسبب تضخم أسعار العقارات؛ وضعف ملاءة المقترضين وارتباطهم المسبق بقروض استهلاكية؛ إضافة إلى بعض المعوقات التنظيمية ذات العلاقة بالجهات الرسمية. تضخم أسعار العقارات حمل المصارف لابتكار برنامج «التضامن في القرض العقاري»؛ بين الزوجين والأقرباء. زيادة حجم «قرض التضامن» ساعد في تماسك أسعار العقارات ودفعها إلى الأعلى.
هل أخطأ صندوق التنمية؛ والمصارف في دعمهم التمويل العقاري؟ أعتقد ذلك. فالسوق كانت في أمس الحاجة لزيادة المعروض من المنتجات العقارية؛ وخفض أسعارها؛ وتوفير أراضي المنح الحكومية للمواطنين المسجلين في صندوق التنمية العقاري؛ والمواطنين القادرين على توفير تكلفة البناء متى حصلوا على الأرض. أحجم الصندوق والقطاع المصرفي عن تمويل المواطنين عندما كانت أسعار العقارات في القاع قبل العام 2005؛ ولو فعلوا أن ذاك لما وصلنا إلى ما نحن عليه اليوم. يمكن القول إن القرارات الداعمة لبرامج التمويل الحالية؛ هي قرارات صائبة في توقيت خاطئ.
كان التمويل علاجًا لمشكلة المواطنين قبل العام 2005؛ أما اليوم فتوفير الأرض؛ وخفض قيمتها هو العلاج الناجع لأزمة الإسكان المتفاقمة. معالي وزير الإسكان يرفض تدخل الوزارة للضغط على الأسعار؛ ويجتهد في الوقت نفسه بتعزيز جانب الطلب من خلال توفير برامج التمويل التي تشكل سفينة إنقاذ للعقاريين في سوق راكدة، يحفها الكساد من كل جانب.
تراجع الوزارة عن تنفيذ 500 ألف وحدة سكنية يعني وقف أهم برامج علاج أزمة الإسكان؛ والمرتبطة بجانب العرض. إعادة صياغة رسوم الأراضي المقترحة ستتسبب في تشوهات تنظيمية قد تفرغ المشروع من مضامينه الداعمة لتوفير الأراضي بأسعار مقبولة للمواطنين.
يبدو أن مشروع «رسوم الأراضي» بات متوافقًا مع رؤية العقاريين الذين تغير موقفهم منه بشكل مفاجئ!. أي تغيير في مشروع الرسوم قد يعني دعمًا غير مباشر لسوق العقار المتضخمة؛ وتنازلاً عن مصالح عامة المواطنين مراعاة لمصالح القلة المسيطرة على سوق العقار والمحتكرة له.
السكن من أهم مقومات الحياة؛ المحققة لمتطلبات الأمن؛ والاستقرار. معالجة أزمة السكن يفترض أن تكون من أولويات الحكومة. الإنحياز نحو المواطن الضعيف وتفهم احتياجاته أولى من مراعاة المحتكر الغني الذي كان سببًا في تضخم الأسعار وبالتالي تغذية أزمة السكن. فرض الرسوم على جميع الأراضي البيضاء؛ وتوفير أراضي المنح للمواطنين؛ إضافة إلى المضي في تنفيذ مشروعات الإسكان من أهم أدوات المعالجة؛ لأنها ببساطة تتعامل مع العرض الذي يشكل قاعدة الأزمة الحالية؛ وكل ما عدا ذلك لا يعدو أن يكون دعمًا للمحتكرين؛ وهدرا لجهود المعالجة؛ وإطالة لأمد الأزمة؛ وربما تحفيزًا لبقاء الأسعار المتضخمة بمستوياتها الحالية.