فضل بن سعد البوعينين
لم تتوقف تقارير المؤسسات الدولية السلبية ذات العلاقة بالشأن المالي السعودي عن الصدور منذ انهيار أسعار النفط. خلطت بعض تلك التقارير بين التحليل المالي والأمنيات؛ ثم أطرتها بأهداف خاصة؛ لا يمكن التمعن فيها بمعزل عن الريبة والشك. السعودية جزء من العالم تتأثر بالمتغيرات الدولية؛ وما يحدث في الاقتصاديات العالمية وأسواق النفط. ليس سرًا اعتماد النفقات الحكومية على إيرادات النفط التي تشكل ما يقرب من 90 في المائة من الميزانية؛ ومن الطبيعي تأثرها بالمتغيرات المالية الطارئة.
تعمل الحكومة وفق منظومة مالية توائم فيها بين الدخل والإنفاق من جهة؛ وبين أولويات المشروعات التنموية من جهة أخرى. ضبط الإنفاق الحكومي لأسباب مرتبطة بانخفاض الدخل كان أمرًا متوقعًا عند وضع موازنة العام 2015؛ غير أن الظروف المحيطة ربما دفعت الحكومة للإبقاء على مستوى إنفاقها العام لضمان استمرارية النمو؛ ودعم مشروعات التنمية؛ واستكمال البنى التحتية المحققة لأسس التنمية المستدامة. الإصرار على انتهاج سياسة مالية توسعية مع الانخفاض الحاد في الدخل هو انتحار مالي بكل ما تعنيه الكلمة؛ وهو ما تسعى الحكومة جاهدة لتجاوزه بأقل الأضرار.
صندوق النقد الدولي؛ وبعض الصحف والمحطات العالمية المتخصصة كانوا مصدرًا للتقارير السلبية المثيرة للقلق. تقديرات متشائمة بشأن تراجعات أسعار النفط العالمية، وتحذيرات للمملكة من نفاد احتياطاتها النقدية خلال خمس سنوات إذا استمر سعر النفط عند مستوياته الحالية؛ وتشكيك في قدرات المملكة المالية والإدارية. لا خلاف على تأثر المملكة بشكل مباشر جراء انخفاض أسعار النفط التي ربما خفضت الإيرادات بأكثر من النصف تقريبًا؛ ولكن ماذا عن جانب النفقات العامة؛ والإيرادات غير النفطية؛ وانخفاض الدين العام؛ وأدوات دعم الموازنة المتاحة للحكومة؟!. بنيت فكرة استهلاك الاحتياطات المالية على فرضية استمرارية الإنفاق وفق مستوياته الحالية؛ وهو أمر لن يحدث قطعًا.
بقاء الحال من المحال؛ ولولا التحوط للمستقبل لما رصدت الحكومة احتياطيات مالية ضخمة لمواجهة الأزمات المالية؛ ومتغيرات أسعار النفط؛ وإيراداتها غير المستقرة. ومع وجود الاحتياطيات المالية رأت الحكومة أن التمول من السوق المحلية ربما كان أفضل في الوقت الحالي ما يعني البقاء بعيدًا عن السحب المستمر من الاحتياطيات. هل هناك علاقة بين السحب من الاحتياطيات المستثمرة في الخارج؛ وبين التقارير الدولية المحذرة من نضوبها؟!. الأمر لا يخلو من شبهة؛ فمتى كان الغرب حريصًا على مصالحنا الداخلية؛ بل هم أكثر حرصًا على مصالحهم بمعزل عن مصالح الآخرين. لذا ربما كان الهدف المبطن لرسالتهم التحذيريه هو عدم مس الاحتياطيات والإبقاء عليها في الخارج؛ بما يخدم مصالح المؤسسات المالية الغربية المستثمرة فيها!.
قبول التقارير الغربية دون تمحيص قد يتسبب في إشكالات مؤثرة؛ فقطرات السم لا يبطل مفعولها جاري العسل. تنطبق على بعض التقارير الغربية مقولة «كلمة حق أريد بها باطل». نحن في أمس الحاجة أن ننزع الباطل من الحق؛ ونستغل الحق في إصلاح أوضاعنا الاقتصادية؛ وموازنتنا العامة وبما يساعدنا على التحوط والعبور الآمن من أزمة النفط الحالية. ضبط الإنفاق الحكومي؛ وتعزيز الإيرادات غير النفطية؛ وتفعيل القطاعات المهمشة؛ والتوسع في قطاعات الإنتاج؛ وتحقيق كفاءة الإنفاق؛ وتفعيل الرقابة ووقف الهدر والفساد؛ والخصخصة من الإجراءات المهمة التي تساعد مستقبلاً على الاستقرار المالي؛ وهيكلة الاقتصاد على أسس متينة وموارد مستدامة؛ مستقلة عن القطاع النفطي.
عودًا على بدء؛ ربما كانت التقارير الدولية موجهة لتحقيق أهداف محددة؛ بعيدة كل البعد عن المصلحة الوطنية؛ إلا أن ذلك الاعتقاد لا يمنع من الاستفادة منها بعد تمحيصها؛ ونزع السم من العسل. أحسب أن الحكومة أكثر وعيًا في تعاملها مع نصائح المؤسسات الدولية؛ وأكثر حرصًا على تحقيق كفاءة الإنفاق؛ وأولوياته. ففي الوقت الذي استمر فيه نشر التقارير السلبية عن الاقتصاد السعودي؛ وإلغاء مشروعات قائمة؛ أو تقليصها؛ مضت الحكومة في اعتماد مشروعات تنموية وفق رؤية فاحصة تعتمد الحاجة والأولويات والقدرة على التنفيذ؛ أساسًا لها.
في الجبيل الصناعية؛ وقعت الهيئة الملكية 36 مشروعًا صناعيًا خلال الأسابيع الثلاثة الماضية؛ وبتكلفة إجمالية تجاوزت سبعة مليارات ريال؛ إضافة إلى توقيع عشرة مشروعات تجارية وسكنية بتكلفة 1.44 مليار ريال؛ إضافة إلى مشروعات أخرى يتوقع اعتمادها خلال الأسابيع المقبلة بتكلفة تتجاوز 1500 مليون ريال. يمكن النظر لمشروعات الهيئة الملكية من زوايا مختلفة ومنها؛ استمرار الحكومة في الإنفاق الاستثماري برغم تقليص النفقات؛ واعتماد مبدأ الأولويات لضمان التركيز على المشروعات المهمة؛ وتحقيق كفاءة الإنفاق من خلال ربط المشروعات واعتماداتها المالية بالجهات الحكومية الكفؤة القادرة على التنفيذ بكفاءة عالية ومدة زمنية محددة؛ لضمان تحقيق منفعة الإنفاق. ضبط الإنفاق؛ وفق الأولويات؛ وتحقيق كفاءته بات مطلبًا حكوميًا في التعامل مع الميزانية الحالية وموازنة العام المقبل بإذن الله.