د. ابراهيم بن عبدالرحمن التركي
** تداول المتابعون حكايةً رواها الدكتور علي الوردي 1913- 1995م حين تجادل مسلمون في الولايات المتحدة حول أحقية عمر بن الخطاب أو علي بن أبي طالب رضي الله عنهما بالخلافة، وظن صديقه الأميركي أنهما يتنافسان على الرياسة كما اعتاد في بلده فأفهمه أنه نزاع تأريخيٌ عمره أكثر من ثلاثة عشر قرنًا، وهو ما جعل الأميركيَّ يسخر والوردي يتألم.
** لا نجادل في صدق الرواية المعزوة إلى شيخ علماء الاجتماع العرب وحفيد سيدنا الحسين بن علي رضي الله عنهما كما ينتسب، ولا فرق بين حدوثها في أربعينيات القرن الماضي (درس الوردي في أميركا بين عامي 1945-1950م) أو عشرينيات الألفية الثالثة مثلما نلمسها اليوم، وجسدتها إحدى حلقات برنامج «سيلفي» الرمضاني مستقاةً من الحكاية نفسها، لكن التنظير لا يواجه دنيا الأحياء والأشياء، ولن ننأى بل سنعود إلى أستاذنا الوردي في حكايةٍ أخرى.
** جمعت الورديَّ ووزيرَ الأوقاف والًشؤون الدينية العراقي خلال حقبة الثمانينيات الميلادية عبدالله فاضل السامرائي (اغتيل عام 2000م) جلسةٌ خاصة روى تفاصيلها الاستاذ محمد عيسى الخاقاني في كتابه (مئة عام مع الوردي) ودار معظمها حول طلب إنشاء مقبرة للشيعة تفاديًا لتكاليف نقل موتاهم إلى النجف فأفاده الوزير أن الحكومة هيأت مقبرة كبيرة ومشجرة على بوابة بغداد «مقبرة الكرخ» وهي مفتوحة للسنة والشيعة حيث يدفن الجميع راحليهم فيها، وألّا فرق بين سني وشيعي حال الوفاة، لكن الوردي تمسك بضرورة بناء مقبرة للشيعة في «الكاظمية»؛ فرؤى الأقلية المثقفة لا يؤمن بها عوامُ الناس كما افترض»!!»، وهنا مدخلٌ آخرُ نختلف فيه معه؛ فمن يقود من؟ (صفحات257-260- دار الحكمة - ط أولى 2014م).
** لا يكتم صاحبُكم دهشته من موقف العالم الكبير؛ فلو كان الشيعة ممنوعين من استخدام المقبرة لجاز التبرير، ولو صدرت من غيره من المتعصبين لزال العجب، أما الوردي الذي امتعض من الخلاف التاريخي المزمن وعُرف بمواقفه وعلميته فمن العسير أن نراه متشددًا في طلبه ومستعيدًا - حيث لا مجال لاستعادة- ما فعله «الإخوان» حين هاجموا كربلاء في زمن الدولة السعودية الأولى مطلع القرن التاسع عشر (1216هـ- 1801م) ناعيًا على أحمد عسَّة ثناءَه عليهم في كتابه (معجزة فوق الرمال).
** كان المؤملُ من الوردي أن يكون عاملَ تهدئةٍ ووسيط تقريبٍ؛ فله دالَّتُه على بني أبيه، ولو أوصى بدفنه في المقبرة «المختلطة» لضرب مثلًا على ما يعنيه الوئام مقابل الخصام والتجاور نظير التدابر، غير أنه مأزق افتراق الكلام المجرد عن الالتزام المقيد؛ فيسيرٌ أن نُصفق وعسيرٌ أن نصدق.
** حكايتان مرتبطتان بشخصٍ نُجلُّه، وبينهما المسافة الفاصلة بين الاقتناع والممارسة، وهو ما يجعلنا نقف متشككين أمام كثيرين يدَّعون المثالية في أقوالهم دون أن تقترن بمشابهٍ في أفعالهم، وخيرٌ لهم أن يصمُتوا حين يعرفون أنهم لا يصمُدون.
** السلوكُ هو المحك.