د. ابراهيم بن عبدالرحمن التركي
** من يحجبُه الاختلاف عن رؤية الصورة بأبعادها الكاملة سيواجهه قصورٌ في المعاينة والتأمل والمحاكمة ومن ثم الحكم الموضوعي الهادئ،وكثيرًا ما تمر بنا أسماءٌ ذاتُ حضورٍ مغايرٍ لما نعتقده؛ فننصفهم وننتصف منهم، ونحاورهم - مباشرةً أو من خلف حجاب- فلا نجور ولو جاروا، ولا نحور ولو حوَّروا؛فكذا يقودنا الوعيُ وبذا تأذن السجالات.
** مقدمةٌ ونتيجةٌ ولا مسافة بين مدخلات الأولى ومخرجات الثانية، والمؤدى مزيدٌ من التمعن وكثيرٌ من التأدب وحرصٌ بالغٌ على لغة الخطاب الراقية الممتدةِ بين التوثيق والتدقيق والنائية عن لغو الكلام وتحشيد الأكف والأصابع والألسنة في مبارياتٍ إذكاءِ غضب أو إخفاء حقائق أو إطفاء مشاعر، ومن يجترح سلوك «غزية» وتابعيها- وفق تجسيد «دريد بن الصمة»- فسيغوي ولن يجد من يستغفر له كما لن يدرك فضيلة الاستغفار.
** ليكن لنا موقف مضادٌ للأستاذ محمد حسنين هيكل - وهو هنا مجرد مثلٍ للاستهداء - دون أن ننتقل من ركن الرد على طرحه إلى تناول شخصه وتسفيه قلمه ونسف مبررات نجوميته، ولو اتفقنا على ارتكابه أخطاءً منهجيةً في تحليلاته السياسية ووقوفه في المحطة الناصرية وتسخيره معلوماته الخاصة للترويج المتحيز معويًا وضديًّا فإنه هرمٌ في أسلوبه وسعة ثقافته وعمق تأثيره وإنصافه حين يشاء.
** مثلٌ لا نعتمرُه ولا نعتمده؛ فوسط الصخب الإعلامي العربي الضَّجِر والمُضجر تحول بعض الكتاب والإعلاميين العرب من توظيف المنطق والهدوء والرزانة إلى الزعيق المؤذي كي يُطفئوا حًرقهم المشخصنة بتقديس وضعٍ وتدنيس آخر.
** وفي الضفة المقابلة من نعرفه بأصله الثقافيِّ وفصيلته المهنية ، وندرك أن تأريخَه سلاسلُ إخفاقاتٍ وجدت غطاءً لها في ادعاءِ جرأةٍ وتجاوزِ خطوطٍ والسير في اتجاهٍ واحدٍ يستقيمُ مع بوهيميته التي عاش حياته مسكونًا بها حتى لتتحاشى الجلوس إليه أو الحديث العابر معه كي لا يتلوث سمعُك بما يقول وبصرُك بما يفعل ونفاجأُ بكمِّ الملِّمعين له الحريصين على إظهاره في زوايا المشهد الإعلامي المنفرجة غيرَ آبهين بصوت الحق والضمير والمهنة والآداب ،ونستعيد جهيرًا آخرَ يصبح متأففًا ويمسي شامتًا وبينهما محطاته الغاصة بالنرجسة والأستذة والادعاء دون أن يأنفَ من ذاته وصفاته مطمئنًا إلى تحصينه بخلق الترفع ممن يناوئهم، والمثالان ليسا لشخوصٍ بأسمائها بل لأنماطٍ بسماتها.
** نتذكرنماذجَ متكاثرةً بتكاثر الأصابعِ الضاغطة المنضغطة، ونبحث في سرِّ انقلاب المفاهيمِ التي أتاحت تراجع مهارات المحاكمة والحكم ، وهما المكونان الرئيسان للثقافة ، ولعله كامنٌ في تبدل المعايير التي يُبنى عليها الحكم لمصلحة الأعلى صوتًا وليس الأندى صيتا وفي صف الأكثر ظهورًا لا الأصدق طرحًا، وأمامنا جيل دون منهجٍ جليٍّ ولا رموز نقية تتمايل بهم رياحُ التطرف» الديني والعلماني والعميل»،وآثمٌ من يقودهم إليه - قصدًا أودونه - ولو ادعى التطهر.
** البطولة لا تدينُ لمن يرفع عقيرته بالهجاء، والعاقلُ من لا يتوقف في محطات المتوَتّرين والموتورين.
** ** العدلُ حل.