د. ابراهيم بن عبدالرحمن التركي
* ليس أيسرَ على الكاتب أيِّ كاتبٍ من أن يصبحَ معلقًا على الأنباء؛ يقرأُها كما وردت ويحبِّرُها مثلما يشاء، ولن يُعجزَه - إذا استمرأَ هذا النهج - أن يكتب كلَّ يوم مقالةً ويُضيفَ إليها بضعَ تغريدات وتستضيفَه بعضُ المحطات ويتحولَ إلى نجمٍ إعلاميٍ بارزٍ تخطِب تواصلَه الفضائيات ليقولَ ويصولَ ويجول.
* هنا خطابٌ عاميٌّ سائدٌ لا يفترقُ في مؤداه كما مضمونه عن ترديد المردَّد دون أن يُفرزَ قيمةُ علميةُ أو رؤيةُ مستقبليةً أو استدعاءً ماضويًا تُبنى عليه حكاياتُ ما هو كائنٌ أو ما سيكون، وقد تتناقضُ المعطيات بمقدار كثرة الظهور؛ فالانطباعات التي نكونِّها سريعًا عن حدثٍ «ما» تتغيّر وَفق مجريات السياسة ومنعطفاتها، ولو فكر باحثٌ في تتبعِها «لوجد فيها اختلافاتٍ كثيرة» قد ترقى إلى درجة التباين.
* ليس مهمًا الحديثُ عن هؤلاءِ؛ فالأهمُّ غياب «الشفافية» عن الوجه الرسميِّ للأحداث المتسارعة عبر بيانات يومية مسؤولةٍ تقدم الحقيقةَ أو شيئًا من ظِلالها كي تنحصرَ الاجتهاداتُ في زوايا ضئيلةٍ لا يصبح فيها معنىً ذو بالٍ لدروس» الخراصين» وطُروسهم، كما لن يجدَ المتابعُ صدعًا في المواقف بين درجات الخطِّ الإخباري اليومي المتعرج والمتدرج حين يحكي صانعو القرار أو متحدثوهم.
* ليس الموقف استرخائيًا كي يتاحَ القولُ لمن شاء كما شاء؛ فأوضاعُ المنطقة العربية ملأى بالدماء والأشلاء، والمعلومة الخاطئة مثلما التحليل الموجَّه سيزيد الدموعَ ويُضلّل الجموع ويرسمُ سرابًا في الهواء يستجيب لإملاءات الريح ولو هبت من صِهيَونيٍ وطائفيٍ ومرتزقٍ وعميل.
* عالمُ اليوم لا تُعوزه القراءاتُ «الهذريةُ الهدرية» التي تَداخل فيها كلُّ ذي «إصبع» دون أن يتوثقوا من أدواتهم المعرفية؛ صناعةً وأهدافًا ووسائلَ ونواتج وظنونًا وحقائق ولاعبين أساسيين وممثلي أدوارٍ ثانوية وفق النظريات التحليلية المعنيةِ بالسياسات الكُلية بما تحويه من دراسات سلوكية ووظيفية ونسقية واتصاليةٍ وسواها، ومنذ أن حدثت ثورات الربيع العربي لم نستطع معرفة خفاياها، وأين تتركز معطياتها الأوليةُ ومخرجاتُها النهائيةُ؛ وهل هي ثوراتُ جياعٍ وفقراء أم مظلومين أم حركيين أم غيرِهم، ومن الذين أشعلوها ومن هم الذين شعَّروها ومن الذين نفخوا فيها الروح ومن نزعوا عنها أردية «الشعبوية» لتبدوَ رمادًا «اشتدت به الريحُ في يومٍ عاصف» فكأن لم تُوقد شموعُ ولم تعلُ رايات.
* البديلُ عن «العلمية السياسية» هو التجهيلُ العامي والتوجيهُ الأدلجيُّ، وكلاهما لا يستطيعان بلوغَ الحقيقة في فضاءاتها المطلقة بل يُغرقان الأمة في لجاجٍ وربما احتراب يُنسى معه العدوَّ الحقيقي ويُلتفت إلى الداخل فتُرمي الكرَةَ ومعها الكرْه إلى «مَرمياتٍ» خاليةٍ لا يُسجَّلُ معها فوزٌ ولا تُحصد غنائم.
* القول الفصلُ يجيءُ من الشفافية التامة حين تُبسط القضايا بحقائقها ودقائقها كي لا يكثر صائدو المياه العكرة، ولئلا نكتفي بمصافحة أنفسنا ومصافعتها وتصبحَ حياتنا ملعبًا تجريبيًّا لأندية الدرجة العاشرة.
* المقدماتُ خواتم.