د. ابراهيم بن عبدالرحمن التركي
** قبل قرنٍ وخلال ما سُمي: «الثورة العربية الكبرى» استوقفت صاحبَكم فقرةٌ قصيرةٌ شغلت صفحتين في كتاب الدكتور علي الوردي (لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث) حين شاء فيصل بن الحسين عام 1916م إعلان استقلال سوريا نائيًا عن مشروع الوحدة العربية الذي تزعمه والده، وإذ اجتمعت الوفود وألقى كلمته طلب من الحاضرين رؤاهم فاتفق « السني والشيعي والدرزي والعلوي والكاثوليكي والأرثوذكسي والسرياني واليهودي والأرمني « على مؤازرته بالنفس والنفيس، وقد أثبت الوردي عباراتهم الممتلئةَ وطنيةً وحماسةً ولحمةً كما نطقوها مستشهدًا بكتاب «أمين سعيد» عن الثورة.
** تستعيد ذواكرُنا أن هذا العام شهد توقيع اتفاقية «سايكس- بيكو» المشؤومة حين اقتسمت بريطانيا وفرنسا الشام والعراق ووُضعت فلسطين تحت الإدارة الدولية بعلم فيصل بن الحسين ومباركة أميركية وروسية، وقامت بعده بعام (1917م) الثورة البلشفية في روسيا القيصرية، ولا معنى للإفاضة أكثر؛ ففي ذكرى مرور قرن يلتئم اللاعبون أنفسُهم في مشاهد تدميريةٍ تقسيميةٍ؛ فلن يعود العراق عراقًا ولا سوريا ستبقى كما عهدناها، وسيدخل اتفاق (أوباما - بوتين) التاريخ ليرسمَ قرنًا جديدًا من الشرذمة والتشظي تباركُه احتراباتُنا الداخليةُ وارتهاناتُنا الخارجية.
** ليس الأمرُ رقمًا مجردًا (1916-2015م)؛ فلا دلالة فيه غيرُ المصادفة لكنه يشير إلى خطايانا الكبرى؛ تتكررُ ونعيها دون أن نتعلم منها، ويكفي أن يتولى إعلامُنا وبعضُ أَعلامنا رفع شعارات الغد والوعد كي نسترخيَ ثانيةً ونحلمَ بأننا وحدويون نهضويون قادرون على تغيير الواقع والتحكم في الوقائع.
** والمتأمل في الأحداث القريبة من لدن تفجير برجي نيويورك مرورًا بأحداث العراق ولبنان والربيع العربي وتجزئة السودان حتى دخول روسيا فلن يكونَ نائيًا عن سلسلة أحداثٍ كبرى ابتدأت بإسقاط بغداد ولن تكتمل بإنقاذ سفاح الشام، وفي تراكماتها مآسٍ إنسانيةٌ ومصالحُ سياسيةٌ واقتصاديةٌ تؤكد أن الأمة لا تملك قراراتها ولا خياراتها، وأن محلليها وخبراءَها تائهون في قضايا تفصيليةٍ «بعضها هامشيٌ» يسوِّق له المؤدلجون كي نحتربَ حول أسماءٍ ومسمياتٍ فننشغلَ بها وبنا وبيننا وندعَ فارس والروم ويهود وقيصر «تجوس خلال الديار» محتلةً الأرض ومنتهكةً العرض وعابثة بالتكوين الديموغرافي وعاثيةً فسادًا وقتلاً وتهجيرًا كي يصبح التقسيمُ الجديد مطلبًا شعبويًا للخروج من أنفاق الهزيمة والتردي؛ تمامًا كما حدث قبل قرن بإرادةٍ عربية وتخطيطٍ غربي.
** لا معنى هنا لاستجلاب نظرية المؤامرة؛ فنحن نشارك بدراية تامة عما هو آتٍ مغلَّفًا بالضعف والخوف من «خيالات المآته» التي تتلبسنا على هيئة أحزابٍ وتنظيمات بل وأفكار ومقالات ومنتديات؛ فضاعت قضية الوجود، وتداعت مرتكزات الحدود، وقد نكتشف - بعد زمن لن يطول- أن العراق عراقات والشام شامات ودولة يهود في الجامعة العربية وفارس مظلة إسلامية، مثلما اكتشفنا أن شعارات المقاومة والتصدي خواء وبعض رموزها عملاء.
** السِّيرُ عِبرٌ وعبَرات.