حمد بن عبدالله القاضي
نحن نرحل من هذه الدنيا رويدا رويدا برحيل الغالين علينا من أمهات وآباء وإخوان وأخوات وأعمام وأخوال.. عندها نعيش (وجع الفراق) برحيل جزء منا من ظهر الأرض إلى بطنها.
تملكني هذا الشعور وأنا أتلقى خبر رحيل خالتي والدتنا العزيزة: منيرة بنت صالح العليان -رحمها الله-.
هذه (المرأة) التي كانت من النساء (الاستثناء) بهذه الحياة بشفقتها وطيبتها ومضيء سجاياها.
هذه المرأة -رحمها الله- كانت لا تعرف إلا الخير ولم أسمع مرة واحدة أنها نالت أحداً بسوء بل كانت تتمنى، وتدعو عند ذكر أي اسم تعرفه من النساء والرجال.
رغم ما نالها -رحمها الله- بسنواتها الأخيرة من آثار الكبر إلا أننا لا نسمعها إلا شاكرة ربها غير شاكية إلا لخالقها.
كانت -رحمها الله- مع شقيقتها الراحلة حصة، جمعها الله مع شقيقتيها (أميمتي موضي) بجنة المأوى.. كانت أنس الجلسة بأحاديثها وذكرياتها والقصص التي مرت عليها.
لقد أشجاني رحيلها فهي بمثابة الأم لنا نحن: ابنها أحمد وولده وبناتها وأبناءهم وبناتهم وأولاد وبنات بناتها وبنات أختيها وأخيها.
لقد حزنت لأنني -شخصيا- فقدت بغيابها رائحة أمي، كنت وأنا أزورها وأقبل رأسها وجبينها أشمّ فيها عبق
(أمي) وأستحضر شيئاً من عطف وحنان غاليتي التي سبقتها إلى دار الخلود، أسأل الله أن يجعل لقاء (أميمتي وأختيها حصة ومنيرة) في جنات ونهر بمقعد صدق عند مليك مقتدر في دار لا فراق ولا آلام فيها.
لكأني أراها -رحمها الله- تدخل علينا بـ(كرسيّها) المتحرك، فيضيء ويعلو السرور محياها عندما ترانا مجتمعين على البر والخير، ثم تجلس بيننا مؤنسة لنا بأحاديثها، ومضيء أخلاقها وفيض عطفها..!
ما أقسى الدنيا عندما نفقد أمثال هؤلاء الأخيار والخيّرات.
ها نحن: شقيقها خالنا الغالي عبدالرحمن العليان وابنها الحبيب أخي أ. أحمد الصالح وابنيتها أم يوسف وأم منصور ونحن معهم أبناء وبنات نفقد هذا الوجه السموح
و(الطيبة المتناهية) والعطف الذي لا ينتهي.
لقد كانت -غفر الله لها- عندما أتأخر بالاتصال أو الزيارة عندما كانت بكامل صحتها هي التي تبادر بالاتصال، والسؤال حتى إني أخجل من نفسي فأبادر إلى زيارتها عاجلا.
امرأة لا تعرف إلا البر والمحبة وغامر الحنان.
عزاؤنا بوالدنا الخال عبدالرحمن -أطال الله بعمره- لنرى فيه عندما نراه وجوه راحلاتنا الغاليات، ونستعيد معه بقية الحنان الذي رحل معهن.
قد أنسى أشياء كثيرة من ذكرياتي مع الوالدة الراحلة الخالة (منيرة) لكن لا يمكن أن أنسى تلك القصة المؤثرة التي ترويها عن والدتي -رحمها الله-.
تلك القصة التي كانت -غفر الله لها- ترددها على مسمعي ومسامع الموجودين بلقاءاتنا.. تلك القصة البالغة التأثير تجسد إيثار (أمي) وخيار حياتي على حياتها، حيث تروي خالتي الراحلة: أن أمي كانت على فراش المرض الذي فارقت الحياة بسببه، وأنا كنت نائماً بجانبها بسبب: (إنفلونزا) وكانت خالتيّ والنساء عندما يزرنها ويسألنها عن صحتها كانت ترد: -ربي ارحمها-: (أنا بخير المهم ولدي حمد يكون بخير).. ورحلتْ أمي عن الدنيا وبقيت (يتيماً) بعد رحليها جمعنا الله بهم جميعاً بجنة الخلود.
اللهم اجعل قبر خالتي منيرة روضة من رياض الجنة، اللهم أفسح لها فيه، وأبدلها داراً خيراً من دارها وجيراناً خيراً من جيرانها، اللهم إن عزاءنا -أنها بجوارك- وقد صدق أبو الحسن التهامي عندما عزّى نفسه بفقد ابنه الوحيد:
جاورت أندادي وجاور ربه
شتّان بين جواره وجواري
اللهم إنها بجوارك فأكرمها وأسعدها وفرحها: واجمعها بوالديها ومن رحل من ذريتها وشقيقتيها اللتين سبقتاها إلى رحابك، اللهم وأنزل الصبر والسلوان على ابنها وابنتيها وعلينا كلنا نحن أحباءها الذين فقدنا ضياء وجهها، واحفظ لنا (خالنا) الغالي والوحيد (عبدالرحمن) لنطفئ عندما نراه ونقبّل رأسه بعضاً من شجن فراق أمهاتنا الثلاث.. اللهم استجب يا أرحم الراحمين.