د. محمد عبدالله الخازم
يبدو أننا ركزنا في نقدنا للتعليم على الجوانب الفكرية والأكاديمية، وخصوصاً مع تدني المستويات العلمية والتهديدات الأمنية التي يتسبب فيها جنوح الأبناء عن طريق الاعتدال نحو التطرف وما يقود إليه من تبعات الالتحاق بالأعمال الإرهابية وغيرها. الباحثة د.فادية البحيران استشارية طب المراهقة التفتت بحكم تخصصها إلى السلوكيات الصحية الخاطئة بين فئة المراهقين في بعض مدارس المملكة، بحث متميز من ناحية حجم العينة وشمولها وآليات الدراسة. الدراسة شملت عينة تشمل 12 ألف طالب وطالبة تمثل الطلاب بمدارس المملكة بجميع المناطق بالمرحلتين المتوسطة والثانوية وبإشراف من مركز الملك عبدالله العالمي للبحوث الطبية بوزارة الحرس الوطني.
الدراسة بينت بعض السلوكيات المختلفة المهددة لصحة المراهقين في المملكة التي تمثلت في: سوء نظام التغذية الذي أدى إلى زيادة أوزانهم بنسبة 30 %، وتعاطي 16 % منهم السيجارة، وتدخين 10.5 % منهم للشيشة واستنشاق 16.2 % منهم مواد طيّارة مثل الصمغ، أو البنزين، وغير ذلك من المواد من أجل وهم الحصول على المتعة. كما بينت الدراسة تنامي ظاهرة التنمّر أو الاستقواء (Bullying) بينهم المعروفة بالسلوك العدائي، حيث إن 20.8 % من مراهقي المملكة تعرضوا للعنف الجسدي في مدارسهم، و25 % تعرضوا للتنمر. وأظهرت الدراسة ضعف النظام الغذائي المتبع لفئة المراهقين المستطلعين في البحث، وإفراطهم في تناول المشروبات الغازية، ومشروبات الطاقة، وقلة تناولهم للفاكهة والخضار، ونجم عن ذلك انتشار ظاهرة زيادة الوزن بينهم بنسبة 30 %، ونقص فيتامين (D) لدى 95.6 % منهم. كما كشفت بأن 17.9 % منهم يقوم بأخذ المركبة بدون إذن والده. كما أتضح أن 24 % من المراهقين واجهوا صعوبة بالحصول على رعاية صحية عندما كانوا بحاجة لها.
نحن هنا أمام مخاطر قد تقود للوفاة وليس فقط التأخر الدراسي أو الانحراف السلوكي، بل إنني أتوقع بأن الدراسة لم تعلن كافة التفاصيل لحساسيتها الاجتماعية، مثل تفاصيل العلاقات الجنسية والوقوعات الأمنية (أتوقع ذلك لأنه من غير المعقول أن تغفل دراسة بهذا الحجم والتميز عن مثل تلك الظواهر!) فماذا نحن فاعلون؟ عندما نعلم بأن 70 % من الوفيات المبكرة للبالغين وقعت نتيجة سلوكيات خاطئة بدأت أثناء فترة المراهقة، مثل التدخين والسمنة واتباع نظام غذائي، وفق ما أفادت به الدراسة، فإنه يصبح علينا رفع علامة الخطر والتساؤل عن مستقبل أجيالنا وثمن الفاتورة المستقبلية التي سندفعها على مستوى الفرد والأسرة والمجتمع والدولة، في كافة المجالات الصحية والاجتماعية والتربوية والاقتصادية والأمنية.
أهم توصية سأطرحها هنا، هي ضرورة تزويد أصحاب المعالي وزراء الصحة والتعليم وغيرها من الجهات ذات العلاقة بنسخة كاملة من هذه الدراسة، ومن ثم أطالب تلك الجهات بمناقشة ما ورد والبحث في الآليات التي يمكن من خلالها معالجتها. لا يكفي أن ندندن ليل نهار حول الوقاية والرعاية الأولية والصحة العامة ونحن لم نستشعر هذه الأخطار التي تحدق بأبنائنا وبناتنا. لا يكفي أن ندعي أن لدينا صحة مدرسية وهي ليس لديها برامج في هذا الشأن..
لقد كررت في مقالات سابقة بأن تعليمنا يهمل الفئة الأدنى حظاً أو المتأخرة دراسياً وسلوكياً واجتماعياً، وأشرت إلى أن قياس نجاحنا أو التحديث الذي يجب أن نستشعره، هو كم من طالب متعثر أو لديه مشكلات ساعدناه لتجاوز الصعوبات التي يعانيها سواء سلوكية أو أكاديمية أو اجتماعية؟ ما البرنامج التي فعلناها ورصدناها لإنقاذ أبنائنا وبناتنا من براثن السلوكيات الخاطئة ومن تراجعهم الدراسي وانحرافهم السلوكي؟
إن الاعتقاد السائد - كما تشير الدكتورة البحيران- بأن فئة المراهقة السنية وتحديدًا الفترة العمرية بين الطفولة والرشد الواقعة بين سن العاشرة و19 عاماً تتمتع بصحة جيدة ومستقرة غير صحيح. وبدوري أشكرها وفريقها البحثي على وضع هذه الحقائق العلمية - وربما المتحفظة في بعض جوانبها- أمام صناع القرار، لعلهم يتعاملون معها بجدية وإهتمام، يليق باهتمامنا بمستقبل بلادنا وثروته الحقيقية، من أبنائنا وبناتنا.