د. محمد عبدالله الخازم
تعددت المقترحات التي قرأتها وسمعتها خلال الأزمات الأخيرة التي مرت وتمر بها بلادنا؛ كحرب الخليج وحادث رافعة الحرم وحادثة منى وغيرها، والمتعلقة بالإعلام، حيث برز بشكل جلي النشاط الإعلامي المحموم للدول والجماعات المعادية ضدنا، وحكم البعض بأن لدينا ضعف واضح في المبادرة وفي الحضور الإعلامي. أعني الحضور الذي يخاطب الآخر وليس الذي نخاطب فيه أنفسنا داخلياً، رغم أهمية الداخلي. وبحكم المتابعة المتواضعة لبعض الفضاء الإعلامي وللحراك المتعلق بالعلاقات العامة على المستوى الخارجي، أعتقد أننا بحاجة إلى فعل الكثير في هذا الجانب. لسنا بحاجة لأن نكذب مثلهم، بقدر ما نحن بحاجة إلى إبراز أنفسنا وجهودنا وأعمالنا.
نحن بحاجة إلى استراتيجية إعلامية ثقافية موجهة تجاه الخارج، وأعتقد أن وزارة الإعلام غير قادرة على فعل ذلك بمفردها حتى في ظل إدارة لديها تسمى الإعلام الخارجي، لأنها - أي الوزارة- ليست متواجدة بالخارج وليس لها أدوات تنفيذية في هذا الشأن. وكل ما تملكه طباعة نشرات ببعض اللغات والمشاركة في تنظيم بعض المناسبات المحدودة للقادمين من الخارج أو بالخارج. وزارة الخارجية هي المسؤول الأول عن تمثيل المملكة خارجياً وسفراؤها معنيون بإبراز صوت المملكة، لكنها للأسف لم تعنى بهذا الجانب بشكل كبير ولا يوجد لديها رؤية إعلامية ثقافية واضحة في سفاراتها المختلفة. ربما نلحظ نشاطا هنا أو هناك يحدث بفعل مبادرة شخصية من أحد السفراء، لكن كفعل منظم ومدعوم ويسير وفق استراتيجية، للأسف لا نراه واضحاً. بل إنني أشك أن بيروقراطية الوزارة الإدارية والمالية أصبحت تسهم في إعاقة أي مبادرة من هذا النوع يفكر فيها أحد السفراء. لا يوجد ضمن مهام كل سفير وضع برنامجا ثقافيا إعلاميا للسفارة يتناسب مع طبيعة الدولة ونظامها وأهميتها. المسؤول الإعلامي - إن وجد- في السفارة مهمته نشر بعض الأخبار عن السفير في الصحف السعودية وربما الرفع بما يكتب عن السعودية، لكنه ليس إعلامياً بالمعنى الحقيقي ولا يملك الثقافة والقدرة والضوء الأخضر ليكون ممثلاً إعلامياً حقيقياً له حضوره وتواصله وعلاقاته مع وسائل الإعلام بالبلد الذي تقع به السفارة.
الملحقيات الثقافية، رغم مسماها الثقافي إلا أن وزارة التعليم سلخت جلدها الثقافي وجعلتها مجرد ملحقيات أكاديمية أو مكاتب لإدارة برامج الابتعاث أكثر منها مؤسسات ذات مبادرات ثقافية وإعلامية ومجتمعية بالبلاد التي تتواجد فيها. كان مسماها ثقافي حينما كانت وزارة التعليم العالي معنية ببعض الجوانب الثقافية وبالتواصل وبناء العلاقات الثقافية والأكاديمية ولكنه مع نشوء وزارة الثقافة وتدخل السفراء بشكل أكبر في أعمال الملحقيات، تلاشى دورها وحضورها الثقافي والإعلامي. وأتوقع لها مزيدا من التـقـوقع في ظل توجهات وزارة التعليم الحديثة والتي يتضح منها غياب مفهوم بناء العلاقات والجسور المعرفية والعلمية والثقافية مع دول العالم.
من هنا أطالب مجلس الشؤون الأمنية والسياسية بصفته معنى بالسياسات الخارجية ويضم أغلب الجهات المعنية بالموضوع أن يبدأ في تشكيل استراتيجية إعلامية ثقافية خارجية يشارك في صياغتها وتحمل مسؤوليتها الوزارات الثلاث؛ الخارجية، الإعلام والتعليم؛ وغيرها من الجهات ذات العلاقة. والأهم في رسم تلك السياسة هو إيجاد آليات تنفيذ وتمويل واضحة، والحث على اختيار الكوادر القادرة والمؤهلة لتنفيذها. بما في ذلك وضعها ضمن أسس اختيار وتقييم السفراء ومسؤولي السفارات والملحقيات الثقافية.
كلنا يعرف وزير خارجيتنا أثناء وجوده كسفير بواشنطن، كان صاحب علاقة ومعرفة بالإعلام الأمريكي وكان متواجداً عند كل حدث مهم يشرح سياسة المملكة ويدافع عنها ضد من يحاول تشويهها. وقبله كان هناك سفراء لهم حضورهم الثقافي والإعلامي مثل تركي الفيصل وبندر بن سلطان وغازي القصيبي وغيرهم. نريد أن نرى أمثالهم في مختلف سفاراتنا وملحقياتها، يستوعبون إعلام وثقافة الدول التي يتواجدون بها ومن ثم يكون لهم تفاعل وحضور في وسائلهم وأوساطهم الاجتماعية والرسمية...