د. محمد عبدالله الخازم
استكمالاً لموضوع تقويم التعليم أستعرض هنا نموذج يستخدم في المقاطعات الكندية المختلفة، في ظاهره البساطة لكنه يقدم من المعلومات الثرية ما يجعل لعملية التقويم معنى يتجاوز مجرد تعبئة النماذج والتفتيش المرهق وغير المجد عن الاشتراطات المدرسية المفترضة. هذا النموذج يسمى بطاقة التقرير Report card حيث يوجد لكل مدرسة بطاقة تقرير - صفحة واحدة- تعرض مجموعة من المؤشرات المتنوعة وذات الصلة بقياس الأداء والتي يتم جمعها ونشرها بطريقة موضوعية وشفافة. هذه البطاقة متاحة للجميع، فعندما تريد أن تختار مدرسة لابنك يمكنك الاطلاع على البطاقة والمقارنة بين المدارس لتختار الأنسب، وعندما يريد المسؤول تقييم أداء مدير مدرسة فتلك البطاقة تبين تطور المدرسة من عام لآخر وتبين ما يحققه الطلاب من نتائج في المؤشرات المعروضة وعندما تريد تقييم حالة التعليم العامة أو في موضوع محدد أو في منطقة محددة فيمكن الاستفادة من تلك المعلومات للمقارنة والتحليل. وعندما تريد تقييم أو تكريم أفضل مدير أو أفضل معلم.. إلخ. تقرير الصفحة الواحدة يحفـز المدراء والإدارات والمعلمين على تحسين أدائهم عبر التنافس مع الأخرين لتحقيق أفضل النتائج...
الفكرة تعتمد على الاختبارات القياسية لمراحل مختارة في التعليم العام وهي اختبارات شاملة تجرى لغرض القياس وتعبئة كرت التقرير وليس انهاء المقرر الدراسي أو نجاح و رسوب الطالب. وهذا ما يجعلها تقدم في أوقات الدراسة وليس وقت نهاية العام وزحمة الاختبارات النظامية الأخرى.
البطاقة تحتوي متوسط نتيجة الاختبارات الموحدة التي تجرى في مراحل مختلفة، على سبيل المثال متوسط نتيجة مهارة القراءة للصف الرابع، الكتابة للصف الرابع، الرياضيات..ومثلها للصف السابع (يعادل الأول متوسط لدينا) وهكذا بطريقة مبسطة من واحد لعشرة مثلاً. طبعاً تلك الاختبارات تفيد ولي الأمر بطريقة أخرى في معرفة أداء ابنه مقارنة بالمتوسط العام للمدرسة وللمنطقة وبالتالي يستطيع الحكم على أداء المعلم والمدرسة وغيرها، توضح أداء المدرسة مقارنة بالمتوسط العام للمنطقة أو الدولة... في النهاية تلك النتائج توضح فعالية التعليم التي يتلقاه الطالب في المواضيع الحرجة والحساسة، كالقراءة والكتابة والرياضيات والعلوم... طبعاً يتم الأخذ في الاعتبار نسبة غياب الطلاب عن الاختبارات القياسية للمدرسة ونسبة عدم إكمال الإختبارات.. إلخ. كما يبين تقرير المدرسة نتائجها خلال أعوام وبالتالي قياس مدى التقدم أو التراجع في أدائها. إضافة إلى بيانات أخرى تسجلها المدرسة في التقرير- مثل وضع البرامج الإثرائية أو الإضافية للمدرسة كبرامج اللغة الإنجليزية أو الفرنسية أو غيرها.
تروق لي هذه الفكرة لأنني كولي أمر أو متابع أو مسؤول يهمني جودة المخرج التعليمي والتطور للأداء، وهذه البطاقة تمنحني المعلومات الأساسية التي أحتاجها في هذا الشأن. لا يعنيني وجود هيئة تقويم بيروقراطية حكومية تتحدث عن معايير المدارس وتدريب جيوش من خبراء التقييم وبناء استبيانات ومعايير. نحن نضحك على أنفسنا، إذا كنا ننتظر هيئة تخبرنا بأن المبنى غير صالح، المعلم يحتاج تطوير والرؤية الإدارية غير واضحة لدينا. نحن لا نجهل ذلك، لكننا غير قادرين على إصلاحه! أعلم أن فكرة الهيئة قد يراها المتخصص التربوي جميلة نظرياً، لكن كمتابع لتطور التعليم وتاريخنا التنموي، أنا حذر جداً من صنع دائرة بيروقراطية جديدة نتاجها مجرد معايير نظرية يتم الإلتفاف عليها وتحويلها إلى استمارات بيروقراطية لا تسهم في تحسين المخرجات والأداء بالشكل الذي يوازي ما يصرف عليها من جهد ومال.
مركز اختبارات القياس أثبت نجاحه وتميزه الكبير رغم أنه نشأ في وقت مقارب لهيئة الاعتماد الأكاديمي. بل أعتبره أجمل مبادرة محليه تم تطويرها في التعليم خلال العقدين الأخيرين. فلنستفد من خبرته أو نصنع مثله لقياس الأداء في مراحل التعليم العام وصنع بطاقة أو تقرير المدرسة الذي أشرت إليه أعلاه ومنحنا معلومات قياس موضوعية...
في المقال القادم أكتب عن إشكالية الجودة في المملكة..