د. محمد عبدالله الخازم
نشرت تصريحات صحفية لسعادة مدير جامعة الملك عبدالعزيز المكلف (بتاريخ 30-10-2015م) جاء فيها « أكد مدير جامعة الملك عبدالعزيز بجدة المكلف الدكتور عبدالرحمن اليوبي أن السنة التحضيرية التي تقدمها الجامعة في عملية قبول الطلاب والطالبات بالمسارين العلمي والإداري وبرامج الإرشاد الأكاديمي التي تعدها الجامعة للطلاب والطالبات أسهمت في خفض الهدر الأكاديمي من 30% إلى 1% فقط، مبينا أن السنة التحضيرية تعد من سنوات الدراسة بالجامعة وليست إضافية على الطالب.» جاء ذلك خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده للحديث عن مؤتمر «الإرشاد الأكاديمي في التعليم العالي لدول مجلس التعاون الواقع والمأمول» والذي تنظمه جامعة الملك عبدالعزيز...
حاولت أن استوعب ذلك التصريح وفهم ما ورد فيه، كأكاديمي مهتم بالتعليم العالي، فوجدت صعوبة بالغة في تقبله دون تساؤلات. فإما أن سعادته يقصد شيئاً غير مانعرفه عن الهدر الأكاديمي ولم يجيد التعبير عنه، أو أنه يرمي الكلام على عواهنه دون أية مرجعية علمية موثقة! بل إنني أرى أنه إذا كان الكلام المذكور دقيقاً فيجب أن تستضاف جامعة الملك عبدالعزيز من قبل الجامعات العالمية للاستنارة بخبرتها في هذا الشأن. لم أجد جامعة عالمية واحدة تدعي بتقليص الهدر الأكاديمي من 30% إلى 1% سوى جامعة الملك عبدالعزيز، لذلك أنا منبهر بذلك وأرغب في معرفة كيف تم قياس الهدر الأكاديمي؟ وكيف تمكنت الجامعة من تقليصه بذلك الحجم الكبير؟
حسب الإحصائيات الواردة بموقع وزارة التعليم نجد أن 62.5 % (أكثر من النصف) من الذكور المستجدين بجامعة الملك عبدالعزيز عام 2008-2009م لم يتخرجوا عام 2013-2014م، أي بعد خمس سنوات من الدراسة، فماذا نسمي ذلك؟ هل لدى الجامعات إحصائيات أخرى لم تزود وزارة التعليم بها؟ كيف قلص مسؤول جامعة الملك عبدالعزيز هذه النسبة إلى 1%؟ أم أنهم يقصدون بالهدر الأكاديمي أمراً أخر غير تسرب وتعثر الطلاب؟
الهدر الأكاديمي أبسط معايير قياسه تتمثل في عدم إنهاء الطلاب دراستهم الجامعية أو تعثرهم في إنهائها في الوقت المناسب. أما الهدر الاقتصادي - وهو ليس موضوعنا- فكما كررنا في مقالات سابقة، جامعاتنا لا أحد يقيس كفاءتها الاقتصادية ويصعب فعل ذلك طالما ميزانيات الجامعات ليست مرتبطة بمعايير انتاجية أكاديمية واضحة ولا يوجد لدينا جهات علمية مستقلة تقيس كفاءة الجامعات. حتى الهيئة المعنية بالجودة في التعليم الجامعي ليس من ضمن معاييرها قياس الكفاءة الاقتصادية للجامعات!
بعض الجامعات تدعي أن السنة التحضيرية ساهمت بتقليص الهدر حين تفصل السنة التحضيرية عن بقية المرحلة الجامعية كما تفعل جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، التي لا تصنف فصل أو انسحاب الطلاب خلال السنة التحضيرية هدراً لأنها تعتبرها منفصلة عن بقية الدراسة الجامعية. وكنت سأقول أن جامعة الملك عبدالعزيز تستخدم نفس الحيلة في طريقة حساب الإحصائيات، لكن سعادة المدير المكلف يستبعد هذا الإحتمال، حيث أضاف في نفس تصريحه بأن السنة التحضيرية تعد من سنوات الدراسة بالجامعة وليست إضافية.
ربما سيعاتبني البعض بأنه لـيس مدير الجامعة وحده من يطلق تصريحات غير دقيقة، فلماذا نركز عليه دون غيره من المسؤولين؟ وأجيب بأنني لا أنقد الشخص بقدر ما أنقد القيمة العلمية للجامعة، وخصوصاً جامعة بعراقة جامعة الملك عبدالعزيز، إذا كان مسؤولها الأول (المكلف) يقوم بإطلاق تصريحات غير دقيقة علمياً، أو أنها استخدمت لغة غير دقيقة ولم يتم تعريف المصطلحات وفق ما يفهمه العاملين في هذا المجال. أخشى أن يقود ماجاء في التصريح من تقليص الهدر إلى 1% إلى خداع المخططين للتعليم العالي ومنحنا صورة وردية مبالغ فيها.