د. محمد عبدالله الخازم
تعقد وزارة الخدمة المدنية ممثّلة بمعهد الإدارة العامة ندوة مهمة بعنوان: «ثقافة خدمة العملاء في القطاع الحكومي». الاهتمام بالعملاء ليس مجرد المراجعين اليوميين، بل إنه يبدأ من لحظة إصدار القرارات، وهذا ما أحاول شرحه في هذا المقال. هناك أساليب علمية لإحداث أي تغيير في أي نظام، تبدأ بمناقشة القرار ضمن شريحة واسعة من الخبراء والمستفيدين، وتنتهي بإصدار القرار. وحين يتم العزم على اتخاذ القرار يتم تهيئة المجتمع والفئة المستفيدة منه لتقبل تطبيقه، وحين يصدر لا يكون الأمر بمبدأ (خذوه فغلوه) وإنما بوضع تاريخ مستقبلي لتطبيقه يتضمّن إيجاد مهلة تسبق تطبيقه بشكل كامل. إصدار القرار، أو تطبيق نظام ما، ينطوي على جوانب قانونية وجوانب اجتماعية وجوانب أخلاقية. القيادي الناجح يضع في الاعتبار جميع هذه الجوانب. القيادة ليست مجرد سلطة دكتاتورية تمارس أفعالها وتصدر قراراتها دون حساب للجوانب الاعتبارية والأخلاقية المتعلقة بعملائها ومجتمعها.
هذه المبادئ ليست خاصة بالقطاع الخاص أو بالشركات، بل بكافة القطاعات بما فيها القطاعات الحكومية. قد توجد السلطة لدى المسؤول لإصدار قرار ما، وتحديداً السلطة القانونية أو سلطة المنصب، فيقوم بإصدار قرار دون الاكتراث بتأثيره على الشريحة المستفيدة. هنا لا نستطيع أن نجادله من منطلق قانوني، لكننا نشير إلى القسوة في اتخاذ قرار دون مراعاة للفئة المستفيدة منه، وظروفها الاجتماعية والإنسانية والاقتصادية.
يشمل ذلك قرار تطبيق قانون أو نظام تم إهمال تطبيقه لسنوات، حين يأتي من يستعيد ذلك النظام من الأرشيف فيطبقه بشكل حرفي، بحجة أن ذلك هو النظام، وما كان يطبق على مدى سنوات يُعتبر غير نظامي، وجاء كنوع من الكرم غير المبرر، من وجهة نظره. هنا يتم تجاهل قاعدة تتمثّل في أن تكرار تطبيق أسلوب أو نظام بطريقة معينة يجعل منه عُرفاً والعُرف يتحوّل إلى نظام عمل متعارف عليه، ما لم يصدر نظام حديث يعيد ضبطه قانونياً ونظامياً. هنا، أيضاً لا نستطيع لوم المسؤول وفق حججه القانونية، لكن نقول إن الناس ليست مسؤولة عن إهمال تطبيق نظام ما لفترات طويلة بشكل قاد إلى نشوء إجراءات عمل متعارف عليها وكأنها نظام سائد. ليس أخلاقياً معاقبة المستفيد ودون سابق إنذار بتعديلات أو تعليمات أجراها المسؤولون على النظام على مدى سنوات عديدة، وليس مجرد مرة واحدة استثنائية.
من الجميل وجود وزراء جدد أتوا بخلفية القطاع الخاص المتحمس والمتطلع للتغيير. نذكرهم بأن مبادئ العمل في القطاع الخاص التي تضع نصب عينها العميل أو الزبون، وتضع في الاعتبار جوانب التسويق والترويج لبيئة تراعي المسؤولية الاجتماعية أو الأخلاقية المجتمعية. تلك المبادئ مهمة كذلك في القطاع الحكومي؛ بالنظر للمواطن كعميل أو زبون، سواء كان طالباً أو مريضاً أو فلاحاً أو عاملاً أو تاجراً أو أي فئة أخرى. نريد منهم أن يدركوا أن عليهم الارتقاء بسمعة منظماتهم - وزاراتهم التي يقودونها، لا مجرد فرض السلطة بالقرارات وبتشويه سمعة المنظمة والعاملين بها، لمجرد إثبات أن المسؤول الجديد هو المخلص والفاهم الأوحد.
هذا الأمر ترجمة لتوجيهات القيادة العليا الدائمة بأن المواطن هو الأولوية، كرامته مهمة وخدمته واجبة ومراعاة واقعه ووضعه الاجتماعي يجب أن يُؤخذ في الاعتبار بشكل دائم. القيادة العليا تختار المسؤول التنفيذي بناءً على الثقة في قدرته على تنفيذ توجهاتها العليا، وعليه واجب الارتقاء بسمعة الحكومة أمام المواطنين، لا خلق حالة عدم رضا في أوساط المواطنين - العملاء بقرارات وتصرفات كان يمكن تقديمها بشكل أفضل وأجمل وفق الأسس أعلاه.
يجب أن يشعر الناس - العملاء بالأمان بأن مخططاتهم الشخصية لا يتم تحطيمها ولخبطتها بدون سابق إنذار وبمجرد وجود مسؤول جديد قرر تطبيق نظام ما بشكل فجائي، سواء كان نظاماً جديداً أو نظاماً قديماً مُهملاً. المؤسسة - الوزارة الحكومية مسؤولة أمام عملائها ويجب احترام التزاماتها، حتى وإن قام بها مسؤول سابق...