د. محمد عبدالله الخازم
أسست هيئة الاعتماد الأكاديمي قبل أكثر من عشر سنوات ومنذ ذلك الحين تدور عجلة أعمالها؛ ندوات وورش عمل ومعايير ونماذج ومتطلبات، الخ. تحمسنا لها وشجعناها وحضرنا بعض أنشطتها وساهمنا في تعبئة بعض نماذجها، لكننا خشينا طرح السؤال الحقيقي؛ كيف هو مستوى التعليم الجامعي لدينا مع وجود الهيئة؟ هل تحسنت مخرجاته؟ هل كان للهيئة دور يمكن إثباته في تحسن مخرجات التعليم العالي؟
العبرة ليست بكثرة العمل والخطط، بل بالأثر النهائي، واستحضاري لهيئة الاعتماد الأكاديمي مجرد مقدمة تحذيرية لأختها الوليدة هيئة تقويم التعليم، وأخشى أنها بدأت تسير في نفس الطريق. الاعتماد والتقويم له أكثر من فلسفة؛ أحدها تكون بالتركيز على المعايير وتوفرها، باعتبار أن توفر المعايير الجيدة يقود ضمنًا للمخرجات الجيدة. بمعنى أنه يفترضون بأن استخدام نماذج مقننة للمنهج الدراسي مثلاً سيقود على مخرج علمي جيد لذلك المنهج. هذا الأسلوب ينجح في بيئات لديها قبل المعايير مثل وأخلاقيات عمل متقدمة، أما في دول مثل دول العالم الثالث ونحن أحدها فالواقع أن هناك انفصامًا واضحًا بين المكتوب والنظري والمفترض من جانب والمطبق من جانب آخر. مثل هذه الهيئات تنجح في بيئات تفصل بين المؤسسات الرقابية والتنفيذية وتحترم العمل النقابي والمدني. نحن لا تتوفر لدينا البيئة والمثل التي تساعد مثل هذا العمل الرقابي، وبالتالي نحن كمن يريد زراعة الأرز في رمال النفود، لا ماء ولا جو يسمح بنموه. مؤسساتنا الأكاديمية بما فيها الهيئة الحارسة على الجودة لديهم خطط إستراتيجية ومعايير مزركشة في بطون الملفات وعلى الورق والمواقع الإلكترونية، لكن ما يهمنا هو المنتج النهائي!
الفلسفة الثانية التي تتبناها بعض الدول تركز على قياس المخرجات أكثر من الانشغال بالمعايير الشكلية، لأن المحصلة النهائية المطلوبة من أي عمل هي الحصول على منتج جيد وما يهم العميل والمتابع والرقيب هو المنتج وجودته. وكما أن المفترض في الفلسفة السابقة هي أن المعايير الجيدة تقود لمنتج جيد، فإن الفلسفة هنا أن الحصول على منتج جيد بالتأكيد لن يأتي سوى عبر عمل جيد.
بعض منظمات الاعتماد تدمج الفلسفتين، وأحسب أن أحلام أو وعود هيئاتنا المحلية في موضوع الاعتماد سواء كان التعليمي أو الصحي أو غيره تنطلق من كوننا سنبدأ بالتدريب ثم تطبيق المعايير وفي النهاية سنصل لقياس المخرجات، ولا ندري متى سنصل ذلك الحلم البعيد. هيئة الاعتماد الأكاديمي لم تبدأ الطريق الصحيح خلال أكثر من عقد من الزمان وأراهن أنها لن تستطيع الوصول إليه - في حال كان أحد أهدافها قياس المخرجات - خلال عقد آخر من الزمان، طالما هي غير مستقلة وتسير على نفس الوتيرة في أعمالها...
أعود لهيئة تقويم التعليم، واسأل القائمين عليها؛ ما الهدف النهائي من تأسيس الهيئة؟ هل هو صنع معايير تعليمية نظرية مصطنعة، أسوة بما فعلته شقيقتكم الكبرى هيئة الاعتماد الأكاديمي أم أنكم تهدفون لتحسين المخرجات التعليمية؟ هل ننتظركم عشر سنوات حتى تنتهوا من ترجمة ووضع المعايير وعقد الدورات والندوات وبرامج التدريب المتكررة، كما انتظرنا هيئة الاعتماد الأكاديمي؟ هل نأمل الكثير من هيئة تقويم واعتماد ليست مستقلة، ومرجعيتها رئيس الجهاز التنفيذي، وزير التعليم؟
ساتهم بالتشاؤم، لكن أحاول أن أكون واقعيًا بعد أن كنت مادحًا وداعمًا لهيئة الاعتماد الأكاديمي، مؤملاً أن تسهم في ترتيب التعليم الجامعي. بعد أكثر من عشر سنوات لم أر ترتيبًا يستحق الذكر ولم ألمس أثرًا يستحق التنويه. مللت فرقعات الجودة التي ينطبق عليها «غمض عيونك.. تخيل نفسك أسدًا.. أنت أسد»، رددنا تعريفات وأقوال الجودة وتخيلنا أنفسنا أسودًا، لكننا لم نجد لها أثرًا في الممارسة وفي المنتج النهائي.
أعتذر لهذه القسوة وأكرر؛ أخشى، بل أرى، هيئة تقويم التعليم تسير في نفس طريق هيئة الاعتماد...