د. خيرية السقاف
يتفاعل القارئ مع موضوعات التعليم، والتربية لأهميتهما،
وتأتي هذه الأهمية على قدر حاجة المرء لأن يكون صالحا للحياة، مصلحا للبيئة، معمرا للحضارات، صانعا للنجاح، مستحقا لنعم الله عليه..
لذا فإن أولى المصانع له، وبه هي مصنع التعليم، والتربية..
تبدأ التربية بالتعليم، ويدمج التعليم بالتربية مذ يخرج للحياة ويبدأ دبيبه فوق ثرى الأرض، كلاهما خليط حنطة ثمرة واحدة تغذيه ليكون آهلا للحياة، شجرتها ثابتة، وفرعها بين أيدي ورثة الأنبياء..
ويمكن لكل مرب معلم، ومعلم مرب أن يبلغ هذه المكانة من المسؤولية بجدارة إن حرص سعى وعمل، جد وأخلص، تفانى وداوم في شأن تأهيل نفسه من معين ثرائهما، لأنه في الواقع مادام واحد ينجب، ومادام آخر يعلِّم فإن كليهما محضن تربية وتعليم معا.
هؤلاء المحاضن لمختلف المراحل عمر الفرد، مذ بدء البذر فيه، فالعناية بسقياه، فمراحل تكوينه وتأهيله، فمراحل الحصاد والتدوير، مسؤول أفرادها عمن سيكون في مستقبله في مكانهما يقوم بدوريهما..
وهكذا هي ساقية الزمن تدور بالإنسان يولد ويموت وما بينهما تربية وتعليم ومعاش فممارسة في معاش...
تذهب أجيال، وتأتي أجيال..، لكن ليس سدى على حال من الوعي!!
حقيقة لا مفر منها، إن متغيرات العصور، ومستجدات الحياة، وتطور أساليب التعليم، والتربية لا ينبغي الترك لمثالب القصور فيها، أو الغفلة عنها، ولاعن التصدي لها..
كذلك لا ينبغي التراخي عن بلوغ المحاسن، والاكتساب من الإضافاتها المجدية..!!
هنا، نقف لنفحص مكونات المحاضن في البيئة الأسرية، والتعليمية، هذه المحاضن ما الذي فيها وهو لها، وما الذي ينقصها، مما ينبغي؟!..
ما الذي يجدي مما تقدمه في حاضر يتشعب، ويتكاثر، ويتداخل؟!!
وما الفائض فيه الهادر للوقت، والجهد؟!
ما المحصلات التي يستقيها من واقع التربية، والتعليم كل فرد مذ يرى النور، ويواجه الحياة، والأحياء، وحتى يُطفأ في عينيه ويوارى ثرى يحجبه عنهما..؟!
لاشك، هناك في مجالي التربية والتعليم الكثير، والعديد، والمختلف من الإيجاب، والسلب، والجيد، والرديء، والمفيد، والمؤثر بغير، والقابل للتطوير، والواجب لفظه، وعلى المحاضن في كليهما أن تنتفض، لتنفض عنها الأغبرة.
أن ترتاد الجديد، تبقي على الجيد منه، تضيف على القيِّم المندثر، تجافي الهش الطارئ، تتخلص من البائد الزائد، تفعِّل النور، تجافي العتمة.
لأن هذه الأجيال غارقة في بهرجة لا تنفك عن معوقاتها، ولا تنتشل من ترديها إلا بإصلاح جذري في التربية، والتعليم، أسسا، وتنظيما، وهيكلة، وصلاحيات وخططا، وأهدافا، ومحتوى معرفي، وتربوي، وتنفيذا، وأنشطة، ووسائل، وتقيما، وكفايات، وإدارات، وإشراف، ومتابعة مستديمة، جنبا إلى جنب تنشئة واعية علاقةً، وتعاملا، وسلوكا، وفكرا، وأخلاقا يقي الناشئة الضلال والقلق والشتات، يكون هذا الإصلاح في المجالين التربوي والتعليمي على أسس واضحة، وقواعد متينة غاية، وتطبيقا، وتنفيذا.
إنني كثيرا ما أصبحت أجد أن ما نكتبه الآن، ونقوله لمن يخصه يذهب مع الريح، لكن حسبي منه قارئا واعيا يتلقاه بمقاصده، فينزل عنده مكانا كريما.