د. خيرية السقاف
المعلم الإنسان لا يلقن طلابه الخبرات المعرفية, لأن من يلقن يحشو, والحشو مآله التبخر والتفلت, لكنه يؤسسهم معتمدين على قواعد ينطلقون منها للنهل من مختلف المصادر, نعم الصغير يمكن أن يحصد المعلومة, ويقف على الحقيقة عن جهده الموجه، والموظف, والذي يوظفه هو معلمه عن طريق تسليمه مفاتيحه الخاصة, وهديه لكيفية الوصول إليها, حتى طلاب الجامعة لا ينبغي أن يجلسوا أمام أساتذتهم ينبهرون بخبراتهم, بل عليهم دفعهم للبذل من أجل تكوين خبراتهم، ومن ثم بسط النقاش بينهم يتبادلون مكاسبهم, ومقتنياتهم بين أيديهم, فيضيفون إليها, ويضفون عليها خبراتهم عندئذ, أو ينطلقون منها لاستزادتهم..!
هذا النموذج من المعلمين والأساتذة, يشبه لحد ما محاذاة الأم, وهي جوار صغيرها وهو يحاول الوقوف كي يتقنه, ومن ثم المشي كي يخبره, ويألفه فيمشي، ثم كلما كبر واتسعت حاجاته لخبرات أوسع, وأعمق يكون دوره على قدر هذه المهمة..
ولو أدرك كل المعلمين, والأساتذة أبعاد هذه المهمة ما حصل متعلم على إجازة مرحلة بعد أخرى وهو يتعثر، ويجهل, ويتسطح, ويفرغ, ويحمل صفات لا يتمثلها حقيقة, وتعتركه المواقف فتكشفه.
فمن يبني يتعب, وسيحصد من يعتمدون على أنفسهم, فهم بالتأكيد في النهاية لن يكونوا نسخا مكررة عنه, ولا في المحصلة, لأن المعلم، والأستاذ هما قائدان, أو قبُّطانان مهمتهما الأخذ إلى الاتجاه, وإيصال السفينة للشاطئ..!!
هو ذا التعليم الإنساني الذي تتسع رؤيته لحقيقة الإنسان ذاتا مستقلة, وقدرات خاصة, وإمكانات مختلفة, وكوامن عامرة إن لم توضع في ميزان التقدير في أدق المواقف, وبأصدق التفاصيل لن يجدي المتعلم ما يحقق له أن يكون ما ترسمه طموحات السياسات التعليمية، وتؤطره الأهداف المكتوبة, عنصرا بشريا فاعلا في مستقبله، مضيئا في دروبه, بل كما عمود نور لا يزال في طور الرسم الهندسي على الورق, لكنه لم ينفذ على أرض الواقع.
إن إنسانية التعليم, ينبغي من أجل تنفيذها, وتفعيلها أن يتحقق في جميع عناصر العملية التعليمية أنها مسؤولية جميع أطرافها, ولعل أولهم من يعلم, من يأخذ بالإنسان في جميع المراحل التعليمية لوجهة المفتاح, وجادة البحر.
عندها يكون المعلم الإنسان.