د. خيرية السقاف
من نِعم الله أن جعل أبناء هذا الوطن إخوة يترابطون بأواصر الدين، والوطن، والهوية، مهما اختلف الرأي، أو تفاوتت المعرفة، أو تباين المستوى الثقافي، والعلمي، والوظيفي، تجمعهم أرض تمتد، وسماء تظل، ووطن يحتضن..
هذا في الحال كله، دقيقه وجلِّه..
وهذا في مكوّنات هذا المجتمع المتراكمة باختلاف مراحل نشأة ثوابته، ومستجدات متغيراته، تبقى له هذا الوطن هويته، وقيمته، وموقفه الجلي بين جميع أقطار الدول لقيمته التاريخية من جهة، ومن الأخرى للجهد الرامي لربط نسيجه من جهاته كلها بأهداف واحدة، وتطلُّعات متحدة، غايات تسطع بها شمس الحقائق، وليس لها ليل يعميها..
ومن نعم الله أن جعل بين قمتها، وسفحها جسراً لا ينقطع، وباباً لا يغلق..
ولعلها مزية تنفرد بها هذه البلاد، وينعم بها أبناء الوطن باتجاهاته كلها، تتمثل في لقاء القائد بأفراد رعيته كلما جدّ أمر، أو استبان موقف، فإنّ شراكة العلاقة، ومتانة النسيج تعلو فوق الطبقات، والمستويات، تتساوى مع الاختلافات، فيجلس القائد ليَسمع وليُسمع، ليقول ولينصت، حتى في أحزب المواقف، وأضيق الظروف.. ولعل آخرها ليست الجلسات الدورية التي عهد بها مجلس سلمان بن عبد العزيز الأسبوعي «أمير الرياض» يستقبل العامة، والخاصة ليحل أمراً، ويصغي لأمر، ليسدد حاجة وليمنح نصحاً، ليَعلَم مجهولاً، أو ليُعلِم جاهلين به، بل مجلس لقاءات مقننة، ذات أهداف أوسع، وأشمل باتساع دوره، وشمولية قيادته، ومستجدات الواقع من حولهم لينير لهم عما يغيب عنهم، وليهديهم سبل ما ينفعهم، وليشد من رباط لحمتهم، وليسبغ عليهم طمأنينة الاستقرار، وليمنحهم ثقة العضد، والسند، والرعاية، وليشد على أيديهم ليبقى لهذا الوطن سوره الصلب، وثراه الممتد، وقلبه النابض في كل صدر، ونسيجه المتشابك في كل عقل.
سلمان بن عبد العزيز حين قال في كلمته أول أمس للمثقفين، والأدباء، والفنانين، والإعلاميين إنّ هاتفه، وأذنه، ومجلسه مفتوحة للجميع فهو هو هذا الرجل الذي عهدناه من قبل، ولم يقل إلا ما نعرفه عنه من بعد..
بالفعل هو الذي نهج بكل ما فيه من روح القيادة الواعية، يشارك الناس همومهم، يتصدى لاحتياجاتهم، يفزع لطوارئهم، يصغي لأمورهم، يحل مشكلاتهم، ينصر مظلومهم، يعين ضالهم، يعاقب بشدة ظالمهم، والمتجاوز منهم، يعطي الحق لصاحبه، بروحه الفائقة طيبة، وخلقه المعبق سمواً، وحنكته بعيدة المدارك، وسجايا مواهبه في حكمة الرأي، وصرامة القرار، وبعد النظر، وصبر الفهيم، ونباهة العليم ..
هو ذا سلمان القائد النبيل، القريب ممن يقصده، الحكيم، المعطاء، الوطنيِّ، الواحد في قومه، القوم فيه وحده، من همُّه الوطن، وشاغله أمر إسعاده، وأمنه، وسلامه..
هذا القائد ابن الوطن، حين تشعّبت الطرق بالجميع في ضوء أحداث العالم، وفي خضم مجريات الشرق العربي المأساوية، ومآسي الدول المنكوبة جوراً وغايات، وعند مواجهة سهام المتأسلمين بهدر اعتداء الجهلة، والمغررين بهم جمع من بيده سلاح الفكر، وصولة القلم، وقدرة الصورة، ومهارة التأثير ليبسط لهم دورهم، وليغذي ثقتهم، وليفسح لهم الطريق بشارة خضراء من بلسم كلماته على تشظيات قلق يعتري، وغموض يكتنف، وحيرة تُشتت ليكون لقاؤه وكلماته مفاتيح، وأبواباً لهم جميعهم، فهو المثقف القارئ، نهم الاطلاع، غزير المعلومة، الشغوف بتاريخ الأمة، والوطن. ذواقة الحرف، والكلمة.
نعم، هو ذا في الواقع الوقت لذوي الفكر ليكون دورهم تطهير هذا الوطن من هواء يلوِّث، ورياح تُمرض، ودكن يخنق، ليحافظ على صحته، وجماله، وسلام نسيجه، ومتانة دروعه.
حفظ الله هذا القائد الحكيم، الذي أعرف أنه لا يستميله الثناء، ولا يبلغ رضاه غير العمل، والإخلاص، وتلك مزايا القادة المخلصين، وهو المخلص الحقُّ حفظه الله.