عبدالعزيز السماري
لا يخفى على أحد أن أمة المسلمين تعيش ممانعة شديدة، ومن نوع مختلف ضد خطوة الانضمام إلى الركب الإنساني ومشاركة العالم في انتصار الإنسانية على مركبات الجهل والتخلف، ولأسباب لا أفهمها لا زلنا نمارس ازدواجية عجيبة في حياتنا اليومية..
فالخطاب النظري لا زال يزخر بنفس الأفكار العدوانية ضد الآخر، ولن نحتاج إلى أدلة من صفحات كتب الدعوة، فالخطاب الذي يعادي العالم كله لا زال يتردد من بعض الخطباء والدعاة في المساجد، ونسمعه في برامج الوعظ التي تراعها قنوات عُرف عنها التحرر والموضوعية.
في جانب آخر في لوحة التخلف التاريخية للمسلمين لا زالت مشاهد المظلومية ولطم الصدور تُعرض كل عام في مشاهد مروعة، وتُنظم لها المهرجانات في بعض البلاد الإسلامية والعربية، ويشارك فيها المثقفون والسياسيون في تناقض تشيب له الولدان.
في الخطاب السلفي المتطرف يظهر موقف في غاية العدوانية والعنف والإقصاء ضد الآخر، فتجد فيه لعنات لا تتوقف ضد كل مخالف، وإن كان أباهم أو أخاهم الذي يعيش بينهم، ومحور ذلك أنهم الفرقة المختارة والناجية من عذاب النار، من دون كل فرق الإسلام.
وفي الخطاب الشيعي المتطرف يشعر السني بعدوانية مرعبة، فهو يحمل وزر مقتل الحسين، وأجداده وأحفاده يتحملون ذلك الوزر واللعن إلى يوم الدين، وأن الانتقام منهم آت في يوم لا رحمة فيه لأحد، يوم عودة الحسين إلى الأرض للقصاص من أتباع السنة كما يزعمون.
دائماً ما يؤكد المفكرون والفلاسفة من مختلف الثقافات أن الدين الإسلامي في مقاصده العظيمة لا يتفق مع الخطاب العدواني لكل شيء مختلف، فقد تعلمنا أن الاختلاف واحترام الأديان والشعوب والأعراق خصلة تميزت بها رسالة الإسلام في البدء..
كما تعلمت مبكراً في رحلتي المتواضعة في عالم البحث في جذور الفكر أن الإسلام في خطابه الإنساني كان أكبر رد على أساطير الشعب المختار والعدوانية للآخر واستباحة حقوق الغير ودمائهم وأراضيهم وأموالهم، التي تمثلت في خطاب العهد القديم في القبيلة العبرانية.
كما تعلمت من آيات القرآن الكريم أن {لا تزر وازرة وزر أخرى}، وأن وزر يزيد في قتل الحسين يجب أن لا يعني أكثر من جريمة سياسية، يتحملها مرتكبها، وأن تبقى كذلك، وبدون استدعاء تاريخي لعقيدة الصليب لترسيخ الكراهية والمظلومية في عقول الأجيال المتعاقبة ضد الآخر.
كان استدعاء تاريخ الآخر المظلم أول خروج من الفطرة الإنسانية التي تميز بها المسلمون في صدر الإسلام، فخرجت العدوانية من بين ظهرانينا، وأصبح القتل وسفك الدماء على طريقة العهد القديم يوماً لتقديم القربان إلى مرجعياتهم الدموية.
حالنا المزرية تفضحها القنوات الدينية التي أصبحت مصدراً إعلامياً لا ينقطع لبث العدوانية بين أبناء الوطن الواحد؛ لذلك لم أستغرب أن يفجّر أحد أبناء السنة مسجداً في نجران أو القطيف، أو أن يقتل أتباع جماعات الشيعة المتطرفة أبناء السنة في العراق على الهوية.
حالنا اليائسة تظهر أيضاً في القنوات التي تدّعي الموضوعية، فالبرامج التي تقدم الفكر العدواني والمتطرف لا زالت تحظى بنصيب الأسد في برامجها، والمفارقة أن إدانة التطرف في تلك البرامج مرحلية، ولا تصل إلى نقد جذور الفكر العنيف.
قبل أن نعلن براءتنا من تلك الأفعال الإجرامية التي يذهب ضحيتها الأبرياء من الجانبين علينا إدانة جذور الأفكار التي تنطلق من أفواه بعض الدعاة من الجانبين، فالعدوانية المقيتة تكاد تتفجر من بين كلماتهم، والعنف الحاصل هو مجرد مقدمة لمراحل أكثر عذاباً..
ما يحدث الآن هو صورة في غاية التناقض، فالسياسي يتحدث بلغة إنسانية متحضرة في الإعلام، ولا أذكر أن أحداً منهم تحدث بلغة طائفية في خطابه الإعلامي، لكن الشيخ أو المعمم الذي يقف خلف ذلك السياسي تماماً لا زال يصدح بأقبح وأكثر الكلمات إثارة للعنف والكراهية.
لعل أول خطوة في طريق التقدم نحو مجتمعات السلام والأمن والرفاه إيقاف تلك الأصوات النشاز من الجانبين السني والشيعي، واعتبار أي خطاب يحرض على العنف والكراهية ضد الآخر دعوة للإرهاب والفتنة الداخلية.
أزمتنا الإسلامية في شقيها السني والشيعي أن الأوطان تدّعي أنها ترعى مشاريع التقدم نحو المستقبل، بينما هي في واقع الأمر تدعم بدون وعي سياسي وأمني الخطاب المتخلف والعدواني، بل تعتبره في وجدانها طريقها في التقرب لله عز وجل، وتلك مصيبتنا بكل وضوح. والله المستعان.