عبدالعزيز السماري
دخلت المملكة الحرب اضطرارًا، بعد أن تلاعبت بعض الفئات اليمنية بمسألة الأمن القومي في الجزيرة العربية، وبعد أن شنت تلك الفئات حربًا إعلامية ضد المملكة قبل الحرب، وما زالت الآمال أن تعود هذه الفئات إلى رشدها، وأن تتخلي عن أطماعها في الاستيلاء على الحكم في اليمن، ثم تحويله إلى نظام طائفي يتم توجيهه من قبل المرشد الأعلى للثورة الشيعية ذات الطابع الطائفي المتطرف في إيران.
وفي اتجاه آخر، تخوض شعوب المنطقة في العراق وسوريا حروبًا في كل اتجاه، محورها الاستيلاء على السلطة وفرض الحقيقة الطائفية، والضحايا يزدادون يوميًا، والمستقبل مظلم إذا لم يتدارك العرب مغزى حروبهم حول احتكار الحقيقة والسلطة والسيطرة، وتتجاوز عادة تأثيرات الحروب على الناس الخسائر البشرية..
وكما قال تولستوي الحرب لعنة على البشرية، وتخدم أهدافًا قليلة إذا تمت مقارنتها بآثار الدمار والألم والخراب، ويمكن أن تولد متغيرات اجتماعية عنيفة، وذلك بيت القصيد فيما يجري، فاستنزاف المدخرات، واهتزاز الاستقرار المعيشي يولد متغيرات اجتماعية ونفسية بين الشعوب. وقد قال الحكيم العربي زهير بن أبي سلمى في هذا السياق منذ أكثر من خمسة عشر قرنًا:
وما الحرب إلا ما علمتم وذقتم
وما هو عنها بالحديث المرجم
متى تبعثوها تبعثوها ذميمة
وتضرى إذا ضريتموها فتضرم
فتعرككم عرك الرحى بثفالها
وتلقح كشافًا ثم تنتج فتتئم
فتنتج لكم غلمان أشأم كلهم
كأحمر عاد ثم ترضع فتفطم..
والمقصود بأشأم مِن أحمر عاد، هو أحمر ثمود، الذي عقر الناقة فحلّ العذاب بِثمود من جزاء عمله، وفي حرب البسوس عقر كليب أيضًا ناقة لجاره، لتبدأ حرب هوجاء، استمرت أربعين عامًا، إلى أن توصلوا إلى معاهدة سلام قاما بها النبيلان الحارث بن عوف وهرم بن سنان عندما أتيا القوم، ومشيا بينهم بالصّلح، فأصلحوا على أن يحسبوا القتلى، ثمَّ تؤخذ الدِّية، فحملا عنهم الدِّيات، فكانت ثلاثة آلاف بعير.
ترمز الناقة في السياق التاريخي لرحلة العذاب إلى حالة الاستقرار التي تنعم بها الشعوب، ويرمز عقرها إلى حالة الغدر بالاستقرار، والعذاب هو ويلات الحرب وشرها المستطير، ولكن هكذا أراد الحوثيون وعلي صالح.
ذكر التاريخ أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال لبعض ولد هرم بن سنان: انشدني بعض مدح زهيرٍ أباك، فأنشده، فقال عمر: إن كان ليحسن فيكم القول، قال: ونحن والله أن كنا لنحسن له العطاء، فقال: قد ذهب ما أعطيتموه وبقي ما أعطاكم، وقال عمر لابن زهير: ما فعلت الحلل التي كساها هرمٌ أباك؟، قال: أبلاها الدهر، قال: لكن الحلل التي كساها أبوك هرمًا لم يبلها الدهر. صدق عمر رضي الله عنه، فالأعمال الجليلة تظل خالدة للأبد، وتفنى العطايا المادية بموت أصحابها، ومازال العرب بمختلف أطيافهم وفرقهم يرددون إلى اليوم، وربما إلى يوم يحشرون معلقة زهير الخالدة في مدحه العابر للزمن في مبعوثي السلام النبيلين الذين سعيًا في إنهاء حرب البسوس بعد أربعين عامًا من العذاب، وهل يوجد خير من ذلك تكريم لقيم السلام والصلح بين الأمم.
كم نحن في حاجة إلى أمثال الحارث بن عوف وهرم بن سنان في هذا الزمن الأغبر فقد كانا يستحقان بالفعل أن يكونا رمزين للسلام في التاريخ العربي، ويستحقان أيضًا أن نعمل على إنتاج ثقافتهم السلمية التي تهاوت بعد دخول العرب مرحلة الطائفية واجترار ثقافة الثأر والانتقام، واستخدام العنف لاحتكار الحقائق، واستغلال الدين لأغراض السياسة والدنيا، والله المستعان.