عبدالعزيز السماري
أدخلت وزارة العمل فصلاً جديداً في الضوابط الشرعية للعمل، وكانت النساء كالعادة ضحية استبداد العقل الذكوري بالخطاب الديني، وذلك عندما اعتبرت أن عدم التزام الموظفة بضوابط الحجاب الشرعي المحتشم أثناء فترة دوامها داخل المنشأة يعتبر مخالفة، بحسب القانون الجديد، وحددت لها عقوبة مالية، قدرتها بغرامة ألف ريال.
تقديم الخطاب الديني والقيام بدور الواعظ ليس بجديد على المجتمعات الإسلامية، بل هو مكون أساسي للشخصية المسلمة، وخصوصاً الرجال منهم، التي دائماً ما تبحث عن تزكية النفس من خلال نصح الآخرين. وقد وصلت هذه الخصلة في المجتمع إلى مراحل لم تكن في الحسبان، فقد كان بعض الرجال التائبين يستخدمها لتبيض صفحته الماضية في المجتمع. وقد اختار بعضهم مهمة مطاردة الناس في مخالفاتهم الشرعية احتساباً بعد توبته من ماضيه.
يُعتبر ما يحدث في داعش مثالاً متوحشاً لهذا النمط السلوكي، فالإنسان المتطرف دينياً وصلت عنده مرحلة تزكية النفس بمظاهر التدين المغالي إلى دوائر الإجرام، وذلك عندما أجاز لنفسه ذبح المخالفين بالساطور، بسبب غلوه في فهم تطبيق الشرع على الناس، بينما يدرك علماء النفس أن ما يفعله هو أسرع وأجدى طريقة للوصول إلى الهدف، ولو كان دموياً.
البدعة في قرار وزارة العمل أنها تجاوزت أهدافها في توفير وظائف وحلول للبطالة إلى القيام بدور المشرع والمجتهد في سن العقوبات على المخالفات الشرعية، ومنها فرض العقوبة المالية على الكائنات الأضعف في المجتمع، النساء المخالفات للضوابط الشرعية في اللباس، وفي ذلك نقلة تاريخية في تطبيق الشرع..
بينما تجاوز الشرع الإلهي في محكم كتابه سن عقوبات دنيوية على أغلب المحرمات وبعض الكبائر في الشرع. فعلى سبيل المثال لا توجد عقوبة دنيوية لآكل الربا، ولا لعاق الوالدين، ولا للكذب، ولا للكبر، ولا للبس حلي الذهب للرجال، ولا لحلق أو صبغ اللحى بالسواد، ولا توجد عقوبات دنيوية على الذين يختلطون مع النساء المتبرجات، ولا توجد عقوبات في الدنيا على رد تحية الكفار أو تهنئتهم في أعيادهم، أو التشبه بهم في اللباس كلبس ربطة العنق والبنطال.
وحتى لا يُساء فهم القرار في المحافل الدولية لحقوق الإنسان، الذي قد يدخل في حيز العنصرية ضد المرأة، أقترح على الوزارة تعميم عقوبة الغرامة المالية على الرجال والنساء بدون استثناء في كثير من المخالفات الشرعية، حسب ما نفهمه من الفتاوى؛ وذلك لزيادة الدخل المادي للوزارة.
أقترح على سبيل المثال أن تضع وزارة العمل مخالفة مالية على الذين يحلقون لحاهم، ويطيلون شواربهم، وعلى الذين يكحلون عيونهم للزينة في مكان العمل، التي تدخل في المحرم حسب الفتاوى الرسمية، وأن تفرض غرامة على الرجال الذين يلبسون الثياب الشفافة، وتظهر من تحتها الملابس الداخلية، وهي - بلا شك - مخالفة للشرع، وتدخل في إثارة الفتنة في المجتمع المختلط.
وأن تطبق غرامة مالية على الرجال الذين تتجاوز ثيابهم حد كعبيهم في مكان العمل، وعلى - أيضاً - الذين يتعاملون مع الصور الفوتوغرافية، أو يعملون في مجالات الموسيقى وتسجيل الأغاني المحرمة، وعلى من يعمل من الرجال والنساء في تقديم البرامج الموسيقية، أو العمل ممثلاً وممثلة في المسلسلات المحلية، وعلى اللاعبين الذين لا يلتزمون بقصات الشعر الشرعية.
وأن تفرض غرامة مالية على الرجال العاملين الذين «يتشببون» بصبغ لحاهم بالسواد، ويدخل ذلك في المخالفات الشرعية حسب الفتاوى. وأجزم أن الدخل من هذه الغرامة سيكون مجزياً. وأيضاً على الذين يزينون ابتساماتهم بـ»ضرس» ذهب، وأن تفكر جدياً في فرض غرامة مالية على الذين يعملون في البنوك، وخصوصاً الذين يقدمون تسهيلات بنكية مخالفة للشرع، وأن تصل غراماتها المالية إلى مضيفات ومضيفي خطوط الطيران، وعلى المدخنين في مكان العمل.
المقترح الأهم الذي سيكون له مردود مالي ضخم: فرض عقوبات مالية على الذين يتخلفون عن إقفال محالهم أثناء رفع الأذان، وعلى العمال الذين يعملون في أوقات الصلوات في مجالات المقاولات في مختلف القطاعات. وأكاد أجزم أن وزارة العمل بتطبيقها الغرامات المالية على جميع المخالفات الشرعية في مجال العمل بدون استثناء ستكون مؤهلة لصرف إعانات للعاطلين مدى الحياة، وربما يتجاوز دخلها دخل شركة أرامكو. والله على ما أقول شهيد.