عبدالعزيز السماري
لا يختلف اثنان أن المال في هذا العصر وفي كل العصور هو عصب الحياة وجواز السفر الذي ينتقل به المرء إلى حياة أفضل، ومهما حاولنا اختزال جوهر الأزمة العربية المعاصرة في الصراع الأيدولوجي بين قوى الماضي وتيار الحاضر إلا أن التنمية الاقتصادية الشاملة، ورفع مستويات إدارة المال للطبقات الدنيا هي أحد أركان حالة الاستقرار في المجتمعات الإنسانية.
سبق وأن أطلقت تساؤولات عن سبب انخفاض معدلات التطرف الديني والسلوكي في المجتمعات الاقتصادية في البلاد، وانخفاضها بين الطبقات فوق المتوسطة، وبين النخب بمختلف ميولها، وفي نهاية الأمر سنكتشف أن التطرف العنيف يجد تربته الخصبة في المجتمعات الأقل تعليماً وبين الأفراد الذي يجدون صعوبة في إدارة حياتهم مادياً، ويفتقرون للسكن الصحيح ويعانون من الفشل في إكمال المسيرة التعليمية.
أيّ محاولات لتغييب هذه الحقيقة الإنسانية هو مجرد هروب مؤقت عن جادة الوصول إلى الحلول الصحيحة لمسار التنمية، وأي تنمية إنسانية مهما صاحبتها الشعارات البراقة ستعاني إذا خلت من الحل الاقتصادي للبطالة والفقر وتطوير قدرات الإنسان ليتمكن من كسب المال من خلال مهاراته التعليمية، وستنتهي إلى الفشل مهما تم تلميعها إعلامياً.
وأيّ حلول لزيادة الخناق على الإنسان في إدخار الأموال ستكون نتائجه كارثية، وستكون نتائجها فقدان فرص الانتقال إلى مرحلة الكفاف والنجاح والاستمتاع بها، كان آخرها ما أطلق عليه بالقرض المعجل، والذي سيكون بمثابة الفصل الأخير في مسرحية القروض الشخصية والتي أحرقت مدخرات المواطن لأكثر من عقد، واجهت محاولات الكثير منهم في تحسين أوضاعهم المادية.
حين يأتي المسؤول من خلفية استثمارية تجارية لا تخرج الحلول الإنسانية عادة منها، ويظهر ذلك في حل القرض المعجل، وهو بلا شك مجتهد في توصياته، فيما يوصي به من حلول، لكنها تحمل في مضمونها حلاً استثمارياً يصب أولاً في مصلحة الرأسمالية بشكل عام، بينما ينتظر الإنسان المواطن حلولاً إنسانية للخروج من أزمته، ولن أطيل في اللوم عليه، فالرجل يتحدث من خلال خبرته العملية.
اختيار بوابة الطبقة المتوسطة لحل أزمة السكن، كان خياراً غير موفق، وتظهر في تفاصيله استهداف مدخولاتهم المتوسطه.. بينما كان ينتظر الجميع الحل العاجل للطبقات الفقيرة والأدني دخلاً، والتي تشعر بألم الأزمة السكنية في العظم، والتي شاء قدرها أن تتخلى عن مختلف الخيارات الضرورية من أجل الحصول على مسكن يقيها من نهاية النوم في العراء أو في «الخيام وبيوت الصفيح» على قارعة الطرق خارج القرى والمدن.
أعني بالخيارات الضرورية في التنمية مثل خيار التعليم لأبنائها في المدارس النظامية وخيار التأهيل المهني للعمل في المجتمع والحصول على المال، وبالتالي خروجهم عن النسق العام للمجتمعات المتحضرة، ودخولهم في عوالم خارج النهج الاجتماعي العام، ومن أسباب معاناة هذه الفئة تجمعهم في أحياء محددة، وبالتالي يكونون عرضة لانتشار أمراض المجتمع بينهم كالأدمان والدعارة والإرهاب.
الحل حسب وجهة نظري المتواضعة يبدأ بتوفير مساكن لهم بدون مقابل، أي تقوم الحكومة ببناء مبانٍ مكونة من شقق مختلفة الأحجام، وتكون موزعة على الأحياء في المدينة، أي في مختلف الأحياء، وذلك لتغيير البيئة الاجتماعية، وخلق أجواء أكثر اختلافاً وتنوعاً للعائلة، وأن يسكن المواطن المحتاج في الشقة بدون مقابل أيّ إجار، لكن لا يملك الشقة، وأن يكون ثمن ذلك إدخال الأبناء في المدارس، وأن يستمروا في تحصيلهم العلمي إلى أرقى الدرجات وهكذا، وبالتالي يكون الأبناء الناجحين هم بوابة النجاة للعائلة في المستقبل.
تقول الحكمة الإنسانية إذا حضر المال غاب الصدق، وأقول إذا وصل العقل الاستثماري إلى كرسي المسؤولية غابت الحلول الإنسانية، وحضرت فكرة الحصول على المكاسب المالية من بوابة الحاجة الإنسانية، ولهذا السبب لن ينجح مشروع القرض المعجل، أولاً، لأنه بدأ من البوابة الخطأ، وثانياً لأنه يفتقر إلى الحلول التنموية الإنسانية و الله المستعان.؟