عبدالعزيز السماري
تعتبر ظاهرة دخول المستشفيات إلى سوق الأسهم إيذاناً بدخول المرض لأول مرة كعامل مؤثر في ارتفاع وانخفاض العائد على السهم، وحسب اطلاعي نكاد ننفرد بأسبقية هذا التحول الاقتصادي في صحة الإنسان..
والملاحظ أنه خلال العرض العام الأولي لبيع سندات الأوراق المالية للعامة للمستشفى تخرج وعود من التاجر للمواطنين بتأسيس مدن طبية لعلاج المرضى في مختلف أنحاء المملكة، وفي ذلك إيحاء بتخصيص الخدمات الطبية، وبمستقبل زاهر بالأرباح العالية من أمراض الناس ومعاناتهم.
العرض العامّ الأولي للأسهم، أو (Initial public offering، واختصاراً: IPO) هو عرض سندات الشركة للشراء لعامة الناس للمرَّة الأولى في سوق الأوراق المالية، ويقوم على مبدأ تقييم قيمة الأسهم من قبل شركات خاصة، وهنا يكمن بيت القصيد في إعلانات التوسع العجيب في القطاع الطبي الخاص، حيث تتم عبر عملية التقييم الخاصة مهمة تحقيق المبالغ الطائلة من بيع السندات الأولية، بعد رفع قيمة الأصول.
في الشركات ذات الطابع الإنتاجي؛ إما في الصناعة أو الزراعة، يقيس العائد على السهم كفاءة الشركة في توليد الأرباح من كل وحدة من حقوق المساهمين، ويخضع ذلك للمبيعات وللأحوال التي تمر بها حالة العرض والطلب للمنتج، كما تؤثر حالات الركود الاقتصادي على منتجاتها، لكن قيمة «المنتج « يصعب تقييمها اقتصادياً في الضروريات التي لا غنى عنها كالتعليم والصحة..
يختلف الوضع في المستشفى «الشركة»، وتنطبق عليه المقولة الشهيرة «مصائب قوم عند قوم فوائد»، ونحن أمام حالة شاذة في اقتصاد السوق، فالكوارث الصحية تصبح خبراً إيجابياً لرفع قيمة السهم في سوق الأوراق المالية، وسيواجه المستشفى» الشركة « تضاد المصالح بين المساهمين، وتحديات استمرار تدفق الأرباح على المساهمين، ولن يحدث ذلك بوجود عناية صحية أولية ذات مستوى عال في القطاع العام، وهو ما يعني انخفاض معدلات أرباحها..
لذلك عندما يتحول المستشفى إلى شركة يساهم تردي الأوضاع الصحية في المستشفيات الحكومية في رفع قيمة العائد على السهم، كما تساهم الأوبئة في رفع حالة الطلب على العرض في المستشفيات، مما يتطلب زيادة عددها، وبالتالي العمل على المحافظة على حالة الطلب أي طلب المرضى للعناية الصحية.
عندما يتحول المستشفى إلى شركة تصبح زيادة عدد المرضى سوقاً مزدهرة، ويتحول ارتفاع نسب مرض السكر إلى خبر مهم في المضاربة اليومية على السهم، كما يتحول ارتفاع أمراض الضغط العالي غير المسيطر عليها إلى عامل مساعد في زيادة أرباح الشركة المستشفى.
عندما يتحول المستشفى إلى شركة يصبح زيادة أعداد المدخنين عاملاً إيجابياً لشراء السهم الصحي، ويصبح التلوث البيئي قاعدة صلبة لمستقبل متضخم بالأرباح، ويصبح انخفاض معدلات لقاح الأطفال فرصة لزيادة حقوق المساهمين.
عندما يتحول المستشفى إلى شركة تصبح حوادث السيارات مصدراً مستمراً لتطور خدمات المستشفى الشركة، وتصبح إعاقات المصابين مدخلاً مهماً لتحقيق الأهداف في المستقبل، ويفتح الباب لتقديم خدمات إسعافية على الطرقات العامة، والتي كلما تردت أحوالها زاد ذلك من العائد على السهم.
عندما يتحول المستشفى إلى شركة ستختفي التحذيرات من تربية الإبل داخل المدينة، وستشكل بتواجدها بين الناس مصدراً غير ناضب لزيادة مراجعة المصابين بالإنلفونزا إلى المستشفى، وستزداد بذلك طلبات للفحص عن فيروس الكورونا، وسيزيد ذلك من الأرباح.
عندما يتحول المستشفى إلى شركة يصبح هناك صمام عالية الجودة لقلب الغني، وصمام رديء لقلب الفقير، ويصبح هناك أولوية لزراعة الكبد للقادر، بينما ينتظر غير القادر يومه الأخير، ويكون هناك أسبقية لزراعة النخاع لمريض سرطان الدم للمقتدر، وهكذا..
عندما يتحول المستشفى إلى شركة تغيب أحد أهم مجالات الأعمال الخيرية في المجتمع، ويتحول الاقتصاد إلى دائرة مغلقة وغير منتجة، وأشبه بحالات الإدمان الجماعي على المخدرات، فالإنسان يستلم راتبه في الصباح، ثم يدفعه إما للتأمين على صحته وصحة أولاده، أو إلى شركة المدرسة الأهلية..
الغريب في الأمر أن نهج تخصيص الضروريات في حياة الإنسان كالصحة والتعليم تراجع عنه العالم من شرقه إلى غربه، بعدما خلّف كوارث في حياة الناس، كان آخرها الولايات المتحدة الأمريكية، ومع ذلك لازال هناك من يؤمن بجدواه في مجتمعنا غير المنتج.. اللهم أني بلغت، اللهم فأشهد..