د. خيرية السقاف
اليتيم الذي اهتزّت كتفاه غربة
الذي مات أبوه في انفجار عبوة
الذي تطايرت أشلاء جسد أُمه أمام ناظريه
الذي نفقت الحياة بين يديه
الذي ترمّدت عيناه من الدموع المتربة
الذي تقشّف جلده عطشاً وفاقة
الذي فجأة لم يَعُد له دار، ولا أهل
الذي أنشدنا معه «بلاد العرب أوطاني»
كَبرَ، ذلك اليتيم كَبرَ، وصغرنا نحن !!
هذا اليتيم الآن يقف على ساقين من فولاذ
بيده الحبل والحجر، يرعد صوته
يجأش صدره، تفور عروقه
تنجس غضبته ..
هذا اليتيم صمدت كتفاه شمساً
صلبت أعصابه قهراً
وحده وحده
كل الذي منحوه عطفاً في عناوين الصحف،
خذله المترفون السادرون
وأوغل في ظلمه الفاتكون
كَبرَ اليتيم
بلغ الكنانة وانطلق
سهماً في الصدور
يمتشق الإرادة قضية
والقضية مصيراً
وحده الآن يكافح الذخيرة الصامتة
والفعل المدمِّر، والعدو الجبان، والريح، والكذب
وحده يسقي
لتربة داره التي اندثرت
وأبيه الذي تشظّى، وأُمه التي تلاشت
وجيرانه الذين تشتتوا، وأهله الذين تفرّقوا، وعصبته الذين اختلفوا
في دروبهم التي تباينت
وحده يتصدى لقضيته التي تماهت
وحده يطولُ، يزأر، يتفانى، يقتحم
يحرِق كل الذين تضافروا عليه حرقةَ الشمس في صميمهم
لا يستكين وإن كان وحيداً
لا يضعف وإن هو أعزل
لن يموت وإن قُتل مليون مرة
هذا الذي كان قد تيتّم سيعيد الدار،
وسيفتح للعدو سرادقات العزاء مدى الآتي
هو درع القدس ، وحجرها،
هو روحها النابضة، ونفسَها الشاهق الزافر
ومحضنها الآمن الرافد
وقبضتها السلاح والدرع
وفلسطين لن تندثر وإن نهشتها الأفاعي ونام عنها الغافلون..