د. محمد البشر
ما تمر به بعض البلدان العربية في هذه الفترة الزمنية الصعبة مؤلم حقاً, وأفرز الكثير من المآسي والآلام لكثير من البشر القاطنين في تلك البلدان, وأبعد من ذلك أنه قد ولَّد الكثير من الأحقاد التي خلخلت النسيج السكاني الذي كان قائماً مدة غير يسيرة, سواء أثناء الحكم العثماني أو ما بعده, ولهذا فإن هذا الأثر الاجتماعي أكثر قسوة, وأمرّ طعماً من أثر الدمار الذي نراه مرأى العين, ويزيد مع الأيام والشهور, وربما يمتد لسنوات.
إنها حقاً مأساة, إنسانية, واقتصادية, واجتماعية وروحية, تلظّى بنارها الكثير من الشعوب, فقُتل من قُتل, وهُجّر من هُجّر, وما زال السيل جارفاً نرجو من الله السلامة, لنا ولتلك الشعوب المغلوب على أمرها.
ليس هناك سبب واحد لتلك المأساة, وإنما هي أسباب متعددة خارجية, وداخلية, متراكمة عبر السنين, ويشترك فيها القيادة والشعوب, والمصالح والطموح, والقوة المفرطة, والضعف المستمر, وسوء الإدارة, والمحسوبية, وغير ذلك من أمراض العالم الثالث, لكن علينا ألاّ ننسى أن في كل بلد من تلك البلدان, يكون للعامل بعينه من تلك العوامل نصيب الأسد, والحصة الأكبر في صنع تلك المآسي أو جلها, وكذلك استمرارها.
المحزن حقاً أن صانعي المآسي, والعاملين عليها من قيادات تلك البلدان, أو الطامحين إلى القيادة, هم في منأى عن تلك الأوضاع, فهم يعيشون في رغد من العيش على حساب أبناء وطنهم, أما بعضٌ من قيادات تلك البلدان فلا يهمهم مقدار الثمن, والخراب, والترويع, والتشريد, وإنما همّهم الأوحد البقاء على الكرسي حتى النهاية.
لا أحد يعرف النهاية, ومتى وكيف تكون, فلا أحد يمكنه التنبؤ بذلك, وترى أنه في كل مرة نجد عاملاً جديداً يعمل على توسيع الرقعة, وتكبير الهوة, وفصل المنطق, ولعل دخول روسيا إلى المستنقع السوري, مثالٌ للعامل الجديد الذي بزغ ليضيف الغموض غموضاً, سواء في الإجابة عن متى, وكيف, وما هي النهاية, وقد تتلو ذلك أحداثٌ أخرى, من الشرق والغرب لا يعلمها إلاّ الله, ومن اللافت أن كل شيء أصبح ممكناً سواء باتجاه الدخول أو الخروج, أو تغيير المواقف.
تراكم الأخطاء في الأصل, وتراكم الأخطاء في الحل, وعدم الشجاعة في الرجوع إلى الحق, والاستمرار في عمل كل ما هو متاح للبقاء, كل ذلك يجعل الحلول المتاحة صعبة المنال.
نحن قد نغفل أن هذه المنطقة وغيرها من مناطق العالم تعرضت عبر تاريخها المديد للكثير من الحروب, والمآسي.. وربما ما جعلنا نستكثر ما حدث, ونستصعب حدوثه, أننا قد مررنا بمرحلة, كانت فيها دول منطقتنا مستقرة في نسيجها الاجتماعي, مع أنها أو بعضها قد تعرض لحروب خاطفة كما فعلت إسرائيل ببعض الدول المجاورة.. كما أن ما جعل جيلنا يتألم كثيراً لهذه المأساة أنه لم يعش الحرب العالمية الأولى, والثانية, التي سقط فيها ملايين البشر من جميع دول العالم, وخُربت صوامع وَبِيَع, وهُدمت البيوت, ويُتّم الأطفال, وأُحرقت المزارع, ولو كان العقل حاضراً, والطمع غائباً في الحرب العالمية الأولى, لما تم الخراب الذي عانى منه جيل ذلك الزمان, ولما وقعت الحرب الثانية التي كانت أشد دماراً وهلاكاً, وقتلاً وتحريقاً, فهناك الكثير الذي يرون أن الحرب العالمية الثانية, كانت نتاج الحرب العالمية الأولى, التي أدت نتائجها إلى ظلم فادح تحمّله الألمان, فلعب الحزب النازي على هذا الوتر, ليعود العالم إلى أكبر مأساة شهدها العالم.
لقد تعلم المغرب فيما يبدو من الحربين السالفتين, ولذا فقد جمعت أوروبا متناقضاتها لتجعل منها اتحاداً مع الاختلاف الكبير في اللغة, والمذهب, وحتى القدرة الاقتصادية, والعادات الاجتماعية, لكن التعلُّم من الدروس قد آتى أُكله وحقق هدفه, إضافة إلى أن وجود القنابل النووية, والقدرات التدميرية، جعلت العقلاء يحسبون لكل شيء حسابه.. لأنهم يعلمون أن بداية حربهم نهاية العالم أجمع, ونتمنى أن يسير العقلاء في نهجهم حتى يجنّبوا العالم نهاية قريبة.
والحقيقة الماثلة أن عالمنا العربي لم يكن قريب عهد بحرب مدمرة شاملة كما كانت أوروبا, ولهذا فإن ما يقع اليوم ربما يكون الأسوأ في العصر الحديث, لا سيما فيما يتصل بالنسيج الاجتماعي.
المشكلة الكأداء أن بعضاً من وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي أصبحت منبراً لإثارة النعرات والفتن, مع أن بعضها داعية للخير والسلام, نسأل الله أن يحمي هذه البلاد, ويديم عليها الأمن والأمان والرخاء المستمر.