د. محمد البشر
متابعة للمقال السابق عن أعياد غرناطة يقول غالا: كان يقام بها عيدين مثبتين في التقويم اليوليوسي، يشيران إلى مختلف مراحل العام الأميري والزراعي. وكان لهما اسمان فارسيان: النيروز، يوم رأس السنة الإيرانية الجديدة، والمهرجان الذي يصادف عيد القديس يوحنا النصراني.
كان النيروز عند الغرناطيين يلتقي مع اعتدال الربيع. ورغم أن الفقهاء كانوا يستنكرون تلك العادة إلا أنهم كانوا يتبادلون الهدايا التي لم تكن دائما في متناول أيديهم، وهو ما كان يزعزع اقتصادهم. عادة ما كانوا يصنعون لهذا اليوم دمى على شكل حيوانات وخاصة الزرافة، رغم التحريم الديني، وأوانٍ من صلصال وقناديل صغيرة توضع في أيدي الأطفال المندهشين.
كان المهرجان يحتفل بالانقلاب الصيفي. وكان يدعى العنصرة، يتبادل فيه الغرناطيون من مختلف الأوضاع الاجتماعية الهدايا أيضا. وكان السلاطين ينظمون عادة احتفالات للشعب. ونظرا لأنِّ طبيعة الاحتفال كانت في جوهرها زراعية، فقد كان الشعراء يتغنون بخصب الأرض وكثرة إزهار وعطر النباتات، وتشعل في الحقول نيران كبيرة يرمى إليها بالأعشاب الفوّاحة دون أن يولوا حظر الفقهاء آذانا صاغية، ويتناولون المجبنات والزليبة ويضعون كما في الأعياد السابقة، الأقنعة ويخرجون إلى الشوارع ليلتقوا بآخرين متواضعين أيضاً ليمرحوا معاً.
عيد آخر من أعياد الريف التي كان يُشارك فيها الغرناطيون هو عيد العصير أو عيد القطاف. يحتفلون فيه بقطاف العنب الذي يدوسون قسما منه بأقدامهم للحصول على المُسطار ويعلقون قسماً منه إلى الدعامات للاستهلاك أو يجفّفونه على المصاطب. كان بعض الغرناطيين ممن يستطيعون يغادرون مساكنهم المعتادة وينتقلون إلى الريف. رجال ونساء وأطفال يرتدون أفضل ملابسهم ويسلمون أنفسهم للموسيقى والرقص. يغنون الأغاني الشعبية ويرقصون على إيقاعها، يعزفون على الناي والزمر والآلات الموسيقية الشعبية التي تزدري الآلات الراقية. وكان الأولاد الذي يولدون في هذه الأعياد يعتبرون محظوظين في اعتقادهم ولم يكونوا قلة لأن الرقص والغناء كانا يدفعان إلى الحب. ومع ذلك ونظراً لأن الحدود بين غرناطة وقشتالة العدو اللدود لم تكن بعيدة فقد كان الغرناطيون يذهبون إليها مسلحين، تحسّبا لغارات قشتالية. وهذا ما يبرهن على أنّ بعض التهديد كان يعكر المتعة - ويمضي في الوقت ذاته بالأمور إلى حدودها القصوى - وأعياد ذلك الوقت التي مازال عبقها يعطّر الغرناطيون حتى هذه الأيام.
وأقول: لقد نقل لنا أنطونيو غالا شيئا عن أعياد غرناطة, وهي في الواقع تمثل ذلك التمازج الثقافي الذي كان سائداً في الأندلس لاسيما أن عددا من النصارى يعيش في مناطق المسلمين, وعدد من المسلمين يعيش في بلاد النصارى, ويقال لهم المدجنون, وبغض النظر, ومن باب الإنصاف القول إن المسلمين كانوا أكثر تسامحاً وانفتاحاً, من نظرائهم النصارى, وذلك كان منذ بداية الفتح, وحتى نهاية تواجد الحكم الإسلامي, وحتى في الفترة التي كان فيها الحاكم, متقيدا بالنصوص, ومتخذاً سد باب الذرائع نهجاً له مثل هشام الأول الأموي, أو الحكم الثاني. كان النصارى يتمتعون بممارسة شعائرهم, بحرية مطلقة, طبقا لتعاليم الشريعة الإسلامية, بينما كان المدجنون يواجهون بعض المشاكل في الجانب الآخر.