د. فوزية البكر
لم يحظ موضوع آخر باهتمام الباحثين مثل موضوع تأثير الألعاب الإلكترونية على الأطفال والطلاب ويكفي أن تضع العنوان في جوجل حتى يأتيك سيل منهمر من الدراسات والأبحاث التي تناولت مختلف جوانب هذا الموضوع الشاسع والذي يحاول دراسة تأثير هذه الألعاب علي جوانب الأطفال الجسدية والعقلية والاجتماعية والتي أشارت إلى بعض من آثار هذه الألعاب غير الحميدة على مهارات الطفل الاجتماعية بحكم العزلة والوقت الطويل الذي يقضيه الصغار والمراهقون في هذه الألعاب.
فمثلا ظهر أن الطفل ولانشغاله بهذه الألعاب يتنازل أو (ترضى) له أسرته أن يأكل لوحده حتى لا يقطع المرحلة التي وصل مما يدفعه في الغالب إلى تناول الوجبات السريعة. بل إن بعض هذه الدراسات تناولت تأثير الألعاب (أون لاين) على الأطفال وذكرت محاسن إيجابية وهي أنها تعرف الطفل على أطفال آخرين من أعمار وثقافات أخرى بما يساهم في تحسين مهاراته الاجتماعية لكن أبدا وأبدا لم يخطر ببال باحث ولا أب ولا أم أن تقوم المنظمات الإرهابية باستخدام هذه الألعاب عبر التخفي والتواصل مع الطفل وطلب إضافته كصديق ثم تدريجيا التأثير على عقله وقناعاته الغضة والبدء في تشكيل خلايا إرهابية داخل بيوتنا ومدارسنا ومساجدنا كما يحدث الآن.
مرعب تصور هذا الأمر لكن أجزم أن مئات الآلاف سمعوا المقاطع الصوتية المسجلة التي تم تداولها عبر الواتس أب مع أطفال لم يبلغوا العاشرة ويتحدثون عن إرهابيين يحاورونهم عبر هذه الألعاب لتغيير قناعاتهم وإقناعهم بفساد الوسط الذي يعيشون فيه وأن سبيلهم إلى الجنة هو البدء بمن حولهم من أب وأم وقريب وقتلهم بما يؤدي تدريجيا إلى نشر الفوضى في مجتمعاتنا عبر من نستأمنهم على حياتنا وهم أقرب الناس إلينا فلذات أكبادنا.
هذه الآن حقائق وعلينا أن نتعامل معها بجدية حتى لا نجد أنفسنا وقد طفح بنا فيضان الإرهاب ليصل إلى غرف نومنا وكم من أحداث وأهوال تمر ونراها في التلفزيون أو نسمع عنها أو نقرأ حولها لكنها تظل خارجنا وخارج عائلاتنا ولن نكون يوما طعما لها.. هذا ما يقنع كل إنسان نفسه به ليبقى خارج اللعبة لكن اليوم حتى هذا الخيار الحالم لم يعد ممكنا خاصة أن الدراسات أثبتت أن السعوديين هم الأكثر استخداما في العالم لقناة اليوتيوب وأيضا لتوتير (مقارنة بعدد السكان).
(Global Web Index, 2013) (Arab social media influence summit, 2015)
مع العلم أنه وعلى حد علمي لم تجر دراسة جادة لتحديد عدد الساعات الفعلية التي يقضيها الأطفال السعوديون مع الألعاب الإلكترونية وماذا يلعبون لكن لكم أن تتأملوا عائلاتكم ومن حولكم من أقارب وأصدقاء لنعرف أنها ساعات طويلة جدا وخاصة بالنسبة للبنين، والسؤال هو: لماذا؟
لأنه لا توجد بدائل غيرها متاحة لهؤلاء الشباب الصغار. كل شيء ممنوع، وحتى المجمعات التجارية التي سمح المرحوم الأمير سطام لهم بدخولها إلا أن الإمارة عادت وغيرت رأيها وهاهم هؤلاء الصغار والمراهقون لا يستطيعون دخولها لشراء كوب من القهوة فما عساهم فاعلون؟ الأولاد يتجمعون عند أحد من أصدقائهم ممن يوجد عنده ملحق مفصول عن مراقبة الأسرة بحجة حماية الأسرة من أن يراها غريب ولا يوجد شيء للتسلية ممكن في ذلك المحيط المكاني عدا الألعاب الكمبيوتر فيبقون لساعات وساعات يتحاورون ويلعبون ألعاب العنف والحرب وخلال ذلك قد يتسلل إليهم أحد هؤلاء الداعشيين لإقناعهم بما نخشاه فما نحن فاعلون؟
أقول لكم: هذا مجتمع مزور عاش على وقع إرهاب ثقافي واجتماعي فرغه من كل الأشياء الطبيعية التي تجدها في كل مجتمعات الدنيا فلا سينما ولا مطعم ولا مجمع تجاري والعائلة مفصولة منذ أن يبلغ الولد العاشرة فلا يستطيع الدخول مع الأم إلى أي مكان وتدريجيا نجد أنفسنا نحن الأمهات نجهل ما يفعله الأبناء الذكور إذ يحرص الولد كل الحرص ألا يرى أحدا أمه أو يسمع حتى صوتها فهذا هو المقدر اجتماعيا ومن ثم فهي لا تعرف صحبه ولا ماذا فعل أو يفعلون وما هي إلا سنوات ويطير الابن (إلا من سلمه الله) في إحدي الجهتين: إما ربيب مخدرات أو ربيب عنف وتطرف يرمي به في أتون الداعشية فما نحن فاعلون؟
ما يجب علينا كمجتمع أن نفعله هو:
أولا : محاولة العودة إلى أن نعيش بشكل طبيعي فقط أي أن تكون هناك قرارات حكومية قوية في وجه هذه (اللاطبيعية اليومية) التي نعيشها فتزدهر عند أذن الفنون والرياضة والمؤسسات المدنية والثقافية التي تفجر طاقات الإنسان الطبيعية بشكل إيجابي يخدم الإنسان ومن حوله ولنعمل على لمّ شمل الأسرة الأم والأب وأطفالهم وبذا فلسنا في كل مرة بحاجة إلى أن نغادر إلى خارج البلاد لمشاهدة فيلم أو لتحضر الأسرة كاملة عرضا مسرحيا أو لزيارة متحف طبيعي أو فني.. الرياضة مثلا يجب أن تكون جزءا أساسيا من نشاطات مدارس البنين والبنات بحيث تشجع المسابقات ما بين المدارس ثم الأحياء ثم المحافظات ثم مع دول أخرى وهو ما هو سائد في كل أنحاء العالم وتكون الأسرة راعيا أساسيا للاحتفاء بنجاحات أبنائها وبناتها بحيث نكسر احتكار الكمبيوتر والألعاب لعالم أبنائنا. وهذا بالطبع قرارا سياسي بالدرجة الأولى.
ثانيا : تقديم دورات تطبيقية للرفع من المهارات التكنلوجية للوالدين حتى يتمكنوا من متابعة تاريخ المواقع التي يزورها أبناؤهم. أبناؤنا يتمتعون بقدرات متفوقة لاستخدام الأجهزة الإلكترونية التي عايشوها منذ ولدوا على عكس الوالدين ولابد من ردم هذه الهوة المعرفية والتكنلوجية حتى نعرف ماذا يفعل أولادنا.
ثالثا: توضيح حق الأم والأب في متابعة الولد الذكر حتى سن الرشد 18 أو 21 أيهما يختار الوالدان؛ فللأسف ونظرا للذكورية المغرقة لهذا المجتمع؛ فينظر للولد الذكر منذ أن يبدأ جسده بالتحول والكبر على أنه رجال لا يحق للوالدين متابعته أو الإشراف عليه، على عكس البنت التي نجد الجميع على استعداد للتدخل وتوجيه اللوم والمتابعة لها في كل شيء. وهو ما جعل أولادنا الذكور يكونون عرضة لتأثير سلبيات الألعاب الإلكترونية أكثر من البنات.
رابعا: القتل صار قريبا منا جدا ولا أعرف متى يجب أن نستيقظ؟