فضل بن سعد البوعينين
أنفقت المملكة أكثر من أربعين مليار ريال خلال الخمس سنوات الماضية لتطوير المشاعر وتوسعة المسجد الحرام؛ بخلاف التعويضات الكلية لأصحاب العقارات الداخلة في التوسعة؛ والتي بلغت 100 مليار ريال تقريبا. لم تتوقف المملكة خلال العقود الماضية عن تطوير الحرمين الشريفين؛
ولم تثنها أزماتها المالية عن استمرارية الإنفاق واعتماد مشروعات التطوير التي أسهمت بشكل مباشر في تيسير الحج؛ وحماية الحجيج وتوفير الأمن والسلامة لهم.
الحج جهاد؛ والجهاد لا يخلو من المخاطر؛ ومهما توسعت المملكة في مشروعات الحرمين الشريفين وتطوير المشاعر المقدسة؛ وحشدت كل طاقاتها لخدمة الحجاج وتوفير الأمن والسلامة لهم؛ لن تستطيع تحقيق أهدافها بمعزل عن الحجاج أنفسهم الذين يفترض أن يكون لهم دور رئيس في الإلتزام بالتعليمات والأنظمة؛ والبعد عن مسببات الخطر.
لم يكن تدافع الحجاج في مشعر منى ليحدث لولا إرادة الله أولا؛ ثم مخالفة بعض الحجاج لخطة التفويج المعتمدة؛ ومواعيدها المحددة سلفا. وبعيدا عن «تهمة التعمد» التي يفترض أن تكون التحقيقات الرسمية مصدرا لتأكيدها أو نفيها؛ تشير المعلومات المتواترة إلى أن الحجاج الإيرانيين ربما كانوا سببا في التدافع لعدم التزامهم النظام؛ وتحركهم بعكس اتجاه خط السير المعتمد.
استغلال حادثة التدافع فور وقوعها لتحقيق أهداف سياسية من قبل النظام الإيراني عزز حالة الشك لدى كثير من المراقبين. لم تتوان إيران عن إتهام السعودية بالتقصير على منبر الأمم المتحدة؛ وتحريك آلتها الدعائية وعملائها لاستثمار الحدث من أجل تحقيق أهداف سياسية قذرة.
لم تقتصر حملات التشهير على منظومة الإعلام الصفوي بل تجاوزتها إلى محطات التلفزة الموالية والعميلة؛ إضافة إلى اللوبي الإيراني في الخليج وبعض الدول الأفريقية. بعض الحزبيين السعوديين بادروا بتحميل السعودية المسؤولية عن «حادثة التدافع» قبل ظهور نتائج التحقيقات التي أمر بها خادم الحرمين الشريفين؛ ودون الإشارة إلى أخطاء الحجاج الإيرانيين التي تسببت في حالة التدافع؛ أو شبهة «التعمد» التي وثقها بعض الحجاج المحايدين بالصوت والصورة. الرقص على دماء الضحايا؛ واستثمار الأزمات الإنسانية لتحقيق مكاسب سياسية هو ديدن إيران وعملائها الحزبيين في المنطقة.
لم تكن «شبهة التعمد» حاضرة لدى العامة فحسب؛ بل تم تأكيدها من مصادر مختلفة؛ على أرض الواقع. صحيفة «البيان» الإماراتية نقلت عن الدبلوماسي الإيراني المنشق «فرزاد فرهنكيان» إتهامه طهران «بالسعي لتنفيذ مخطط يهدف إلى سقوط أكبر عدد من الوفيات وقيام مظاهرات كبيرة تتخللها أعمال عنف»؛ وأن « 6 من ضباط الحرس الثوري هم الذين افتعلوا التدافع في منى».
سجل إيران الإرهابي في مواسم الحج السابقة يعزز ما ذهب إليه «فرزاد فرهنكيان»؛ ويؤكد أن هدف النظام من إيفاد بعثات الحج ربما ارتبط بأمور لا علاقة لها بالعبادة والتمكين من أداء الفريضة. تقارير صحفية تحدثت عن انضمام مجموعة من الحرس الثوري لبعثة الحج الإيرانية؛ وهو أمر متوقع؛ ومتوافق مع أهداف النظام التخريبية.
الإتهامات الإيرانية الصريحة؛ وحملات الإعلام الموجهة؛ ونقل «حادثة التدافع» إلى منبر الأمم المتحدة؛ لم تنجح في جر الحكومة السعودية لساحة الإعلام؛ والردود المتعجلة؛ التي قد تشتت التركيز وتزيد من تشعب القضية وإضعافها. التركيز بشكل أكبر على سير التحقيقات؛ وتقديم النتائج كان الخيار الأمثل ولا شك؛ وأيا تكن النتائج فكل ما نرجوه أن يتحمل كل من كان سببا في إزهاق أرواح الحجاج مسؤوليته؛ وألا تحول الأعراف الدبلوماسية والعلاقات الدولية وحساباتها المعقدة من توجيه أصبع الاتهام إلى من تسبب في الحادثة بكل شفافية ووضوح.
برغم الحملات العدائية؛ سيسجل التاريخ اهتمام المملكة؛ حكومة وشعبا؛ بخدمة الحجاج؛ والاعتناء بهم والمحافظة على أمنهم وسلامتهم؛ في الوقت الذي سيوثق فيه مسؤولية النظام الإيراني عن عمليات التفجير؛ وقتل الحجاج الآمنين في المشاعر المقدسة.
نجحت السعودية في إدارة مواسم الحج بكفاءة؛ في وقت تخصص فيه النظام الإيراني بإدارة العمليات الإرهابية في المنطقة؛ ولعلها تكون المسؤول الأول عن «حادثة التدافع في مشعر منى». قال تعالى:{َيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ}.