هاني سالم مسهور
مؤلمة حالة الشعب اليمني الذي مازال يبحث عن الدولة اليمنية رغماً من أنهم يحدثون الشعب منذ أكثر من نصف قرن عن الثورة والجمهورية بعد إسقاطهم ـ كما يزعمون ـ لحكم الإمامة والتحول إلى دولة المؤسسات والحريات وغيرها من التوصيفات التي تهاوت جميعها مع زحف الحوثيين من كهوفهم في صعدة وحتى ابتلاعهم اليمن كاملاً في 21 سبتمبر 2014م.
أتساءل اليوم سؤالاً أجده يطاردني كثيراً.. لماذا لم تنجح اليمن في تشكيل دولتها المدنية؟ أتساءل وأمامي خارطة اليمن والتي تقع في ركن الجزيرة العربية ويجاورها بلدان الخليج العربي التي نالت الإستقلال في معظمها بعد ثورة اليمن ولكنها سبقت صنعاء وذهبت بعيداً عنها، فمازالت صنعاء تعيش فيما قبل القرن العشرين ومازالت تتحكم بها الأعراف والتقاليد والعادات، بل وتخضع السياسة والاقتصاد والناس لطقوسها البالية!.
لم تجد الحركات الوطنية في اليمن طريقاً في ظل انغلاق كل الطرق المؤدية للتغيير؛ فمن أبي الأحرار الزبيري وحتى شباب ثورة التغيير 2011م أغلقت الأبواب في وجه كل دعاة التغيير السياسي في بلد شحيح الموارد شحيح الوعود.
الأزمة اليمنية في تركيبة اجتماعية معقدة يسود فيها العقل الجمعي الباسط نفوذه على كل تفصيلات الحياة حتى البسيطة في المجتمع، لذا لا يمكن للأفكار المستوردة أن تجد لها حضوراً في مساحة شاغرة من شيوخ القبائل الذين يستطيعون توفير الحماية عبر المزاوجة بين كل المقتضيات الطارئة، حتى وإن كانت عبر الدستور والبرلمان والقانون.
في اليمن عشرات الأحزاب السياسية غير أنها أحزاب تؤطر ذاتها بكل ما يتلاءم مع طبيعة العادة اليمنية الأصيلة في المزاوجة بين التقاليد وايدلوجية الحزب، قد لا ينسجم ذلك مع دول أخرى ولا مع كل الأحزاب في كل العالم غير أنه في اليمن يكون طبيعياً في ظل لا وجود للدولة أصلاً؛ فمثلاً يوصف الحزب الحاكم ( المؤتمر الشعبي العام) بأنه برغماتي ليبرالي ويرأسه القبلي، وفيه نائب بمرجعية قبلية ويحيط به كثير من أبناء القبائل الذين يشكلون وعبر ثقافتهم المحلية ليبرالية خاصة بما يحقق مصالحهم في مؤسسات الدولة ومناصبها.
كذلك هو الحزب الإسلامي الأكثر حضوراً (حزب التجمع للإصلاح) وهو الذي ولد من رحم المؤتمر الشعبي العام ليس من أجل الممارسة السياسية بل من أجل تقاسم السلطة السياسية في إطار القبيلة الواحدة والعشيرة الكبيرة التي توزع بين أبنائها السلطات في يمن لا يمتلك أبداً مؤسسات وطنية حقيقية حتى تلك الأحزاب اليسارية التي وجدت نفسها تمارس ذات الممارسات العابثة بحثاً عن فتات ما يلقيه لهم شركاء السلطة في حكم اليمن.
ليس من عجب أبداً أن يتم الإعلان عن إسقاط المخلوع علي عبدالله صالح من رأس المؤتمر الشعبي العام بعد أكثر من عام على إسقاط العاصمة صنعاء، وليس من الغريب أبداً أن يسقط هذا الوثن من منصبه بعد مائتين وستة أيام كاملة من بداية عملية عاصفة الحزم.
نعم، ليس من العجب أبداً كل هذا التأخير في عزل المخلوع صالح بسبب ان اليمنيين كانوا في صالة الانتظار ينتظرون ترجيح كفة طرف على حساب طرف ، فالعادات والتقاليد اليمنية تقتضي البقاء في المنطقة الرمادية حتى يتم التأكد من أن المرحلة القادمة لن يكون فيها للمخلوع حضور، ويبقى ميراثه في حزب المؤتمر الشعبي العام حصيلة كبيرة تمارس فيها الأفاعي تقاليدها وعادتها وطقوسها.