هاني سالم مسهور
عاد من جديد الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح ليمارس ما اعتاد عليه على مدار أكثر من ثلاثة عقود، كان فيها عنواناً للكذب والزيف ونكران المعروف، وممارسة العبث السياسي، وخلط الأوراق بين مختلف الأطراف.. هذا هو علي عبدالله صالح الذي حاول جاهداً اعتبار التحالف العربي معتدياً على اليمن متجاهلاً حقيقة أنه وحلفاءه الحوثيين هم الذين اعتدوا على الشرعية اليمنية التي جاءت بعد إقرار كل الأطراف السياسية بالمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، التي راعت إخراجه من المشهد السياسي بحصانة لم يكن ليستحقها.
جدير بالحالة اليمنية أن تُطرح بشكل موضوعي؛ فنحن على مسافة تزيد على مائتي يوم من انطلاق عملية «عاصفة الحزم» في 26 مارس 2015م، وخلال هذه الفترة كان من الأهمية السياسية أن تتداعى القوى الوطنية المنتمية للمؤتمر الشعبي العام، التي خرجت من عباءة علي عبدالله صالح، وتقيم مؤتمرها العام ـ استثناءً ـ لعزل علي عبدالله صالح من رئاسة الحزب، غير أن التردد والانتظار غير المبرر في المنطقة الرمادية يقودانا إلى مساءلة تلك العناصر التي تأخرت تحت ذرائع واهية فيما كان يجب أن يكون بعزل المخلوع، بل بمحاسبته على الجرائم والانتهاكات الكثيرة التي ارتكبها من خلال الحقبة السياسية التي حكم فيها اليمن.
يجيد علي عبدالله صالح أن يمارس الدجل السياسي.. هذا أمر معروف عنه، والأهم الآن هو اعترافه بتحالفه مع حركة الإخوان المسلمين في حرب صيف 1994م، وأن ثمن ذلك التحالف هو تسليم الجنوب العربي للفاسدين في حزب المؤتمر الشعبي العام وحزب الإصلاح؛ إذ تحول الجنوب على مدار أكثر من عقدين إلى غنيمة وفيد للمنتصر؛ فاستباحت عناصر الفساد الثروات كلها، وتم تسريح العسكريين والموظفين الجنوبيين من وظائفهم في جريمة كبيرة، كانت نتيجته إفقار الجنوبيين، وإعادة النزاعات القبلية والنعرات المناطقية، إضافة إلى تحويل العديد من المرافق الحكومية في الجنوب إلى معسكرات ومقار خاصة بالجيش والأمن.
مهم هذه الجزئية التي طرقها المجرم علي عبدالله صالح معترفاً بأنه كان حليفاً مع أطراف يمنية مختلفة من أجل قضية، توحدوا فيها في 1994م. أما الزج بالمملكة العربية السعودية بهذا الشكل فهو مجرد وقاحة من وقح، اعتدنا منه الكذب والبهتان. فالموقف السعودي كان داعياً لطرفَيْ الحرب في الشمال والجنوب لتجنيب الشعب والمدنيين خاصة هذا الصراع، وهنالك قرارات أممية صدرت عن مجلس الأمن الدولي 924 و931، طالبت صنعاء تحديداً بوقف عدوانها على الشعب الجنوبي، لكن المجنزرات لم تتوقف إلا بعد أن اجتاحت المكلا، وفرضت على عدن واقعاً جديداً، لم يكن سوى شرارة لم تتوقف حتى تفجرت في 2007م، وظهور الحراك الجنوبي السلمي المطالِب بحقوق الشعب في الثروة والسلطة.
موقف المملكة العربية السعودية من حرب صيف 1994م واضح، ولا يحتاج إلى أن يمارس علي صالح قذارته هنا، بل إن المملكة من خلال مواقفها الرسمية كان بإمكانها الاعتراف بإعلان فك الارتباط، الذي أُعلن في عدن بتاريخ 21 مايو 1994م، ولكن الرياض كانت ترغب فعلياً في إيقاف نزيف الدم المراق غدراً وظلماً في عدن ولحج والضالع والمكلا. وليعلم القارئ الكريم أن الحرب انتهت بإسقاط عدن في 7 يوليو 1994م، ولو كانت المملكة راغبة بفصل اليمن لكانت أعلنت ذلك في فترة سبعة وأربعين يوماً، لكن كل تلك الأوهام والأكاذيب ليست سوى نسج من مخيلة علي صالح الذي يرى حالياً حالة الاستقطاب التي هو من يتحمل مسؤوليتها كاملة، ويحاول تشتيت قوة التحالف العربي عن مهمتها الأساسية بإعادة الشرعية إلى صنعاء، ومن بعدها العودة إلى مخرجات الحوار الوطني، وتصحيح ما يمكن تصحيحه كمهمة وطنية معنية بأبناء اليمن.. وما قوات التحالف غير جزء معين لهم بعد سنوات عرفوا فيها الفساد والظلم والفقر والجهل بتحالفات «عفاش» ومنظومته الغارقة في الفساد والجرائم التي لا بد أن يحاكَم عليها في المحاكم الدولية الجنائية؛ فالقصاص من «عفاش» هو حل من الحلول.