د. عبدالواحد الحميد
لا ننكر أن حقوق العمالة الوافدة تتعرض في بعض الحالات إلى انتهاك من قِبَل صاحب العمل السعودي، سواء كان فرداً أو مؤسسة، ولكن أن تتم إدانة صاحب العمل بشكل تلقائي وبدون تَثَبُّتْ أو معلومات مؤكدة فهذا انحياز ضد صاحب العمل السعودي، والأهم أنه انحياز ضد السعودية، وهذا ما حدث في قصة العاملة المنزلية الهندية التي قيل إن يدها تعرضت للبتر من قِبل العائلة التي كانت تعمل لديها.
القصة من بدايتها يصعب تصور حدوثها، ليس لأن العمالة المنزلية لا تتعرض للأذى، وإنما لأن تنفيذ جريمة قتل أسهل من تنفيذ عملية بتر يد إنسان وإلقائه هكذا في الشارع بكل بلاهة، ودون حسابات بحيث يسهل اكتشاف الجريمة!
ولم يكن غريباً أن تتسرع الصحافة الهندية وتُرَوِّج للواقعة المزعومة؛ ففي مثل هذه الأحوال يستجيب الإعلام لإغراء دغدغة مشاعر الناس، والسقوط في فخ الإثارة الصحفية. وقد حدث هذا في الهند، وفي غير الهند من الدول التي نستقدم منها العمالة، لكن الغريب أن يتسرع البعض لدينا في مواقع التواصل الاجتماعي وينساقون مع الرواية الهندية للواقعة، وهي رواية من طرف واحد.
ومع نهاية الأسبوع الماضي خرجت نتائج التحقيق الرسمي، فتبيَّن - طبقاً للناطق الصحفي لشرطة الرياض - أن العاملة حاولت بعد شهرين من قدومها الهرب عبر النافذة من الدور الثالث باستخدام قِطَع متصلة من القماش، لكنها لسوء الحظ سقطت على حافة مولد كهربائي بالشارع؛ ما أدى إلى بتر يدها.
يمكن أن نتناقش عن ظروف العمل التي قد تدفع عاملة منزلية إلى الهرب، ويمكن أن نتحدث عن سوء اختيار العاملة المنزلية بسبب أخطاء ترتكبها مكاتب الاستقدام السعودية أو الهندية، ويمكن أن نتحدث عن شعور العاملة النفسية بالغربة الشديدة، ورغبتها في الانعتاق حتى ولو إلى المجهول، لكنَّ هذا يختلف تماماً عن الادعاء بأن العائلة السعودية قامت ببتر يد العاملة المنزلية وإلقائها في الشارع!!
نعم، تحدث مخالفات كثيرة، وممارسات غير إنسانية أحياناً من قِبَل أرباب العمل، ولكن يحدث أيضاً هروب غير مبرر من العمالة الوافدة، وجرائم بحق الأطفال وأفراد الأسرة، قد تصل إلى حد القتل الوحشي؛ فلماذا نسارع نحن أيضاً بمد أصابع الاتهام إلى رب العمل السعودي عند وقوع أي حادثة قبل التثبُّت ومعرفة الحقيقة!؟ أقول ذلك لأن السفارات الأجنبية لدينا، التي نستقدم العمالة من بلدانها، ترصد ما نكتب، وتستخدمه ضدنا، وهذا جزء من عملها، ولا نلومها عليه، لكن المؤسف أننا أحياناً نتسرع وندين أنفسنا بأنفسنا حتى لو لم نكن الطرف المخطئ.
مشكلات العمل التي تقع بين العامل وأرباب العمل تحدث في كل بلاد الدنيا، وبين أبناء البلد الواحد، وكثيراً ما يكون العامل هو الضحية؛ لأنه غالباً ما يكون الطرف الأضعف في العلاقة العمالية. ولا شك أن من النُّبْل الوقوف مع العامل المظلوم عندما يكون مظلوماً بالفعل، ولكن لا يجوز التسرع بإدانة أنفسنا قبل الحصول على معلومات كافية؛ فبلادنا وكل البلدان المستقدمة للعمالة الوافدة هي دوماً تحت مجهر المنظمات الدولية التي نقدِّر جهودها عندما تكون تقاريرها منصفة ودقيقة، ونختلف معها حين تكون تقاريرها منحازة وقائمة على الإشاعة والتخمين والاستماع من طرف واحد فقط.