د. عبدالواحد الحميد
جميل أن تسعى الأجهزة القضائية والتنفيذية إلى استصلاح الأشخاص الذين يرتكبون بعض أنواع الجرائم وتمنحهم فرصة جديدة للاندماج في الحياة. لكن المحزن هو أنّ بعض المجرمين الذين يُعاودون ارتكاب الجريمة بعد استيفاء العقوبات المطبقة بحقهم، والذين يمنحهم النظام فرصة استصلاح أنفسهم يعاودون اقترافها المرة تلو المرة، الأمر الذي يدفعنا إلى التساؤل عن جدوى التساهل مع بعض المجرمين، وبخاصة ممن يعاودون اقتراف الجرائم.
بعض الجرائم قد لا يكون من المفيد التساهل مع مرتكبيها، ولو نظرنا إلى السجل المعلن لبعض المجرمين لوجدنا أنّ التساهل هو الذي قادهم إلى تكرار ارتكاب جرائمهم مراتٍ ومرات. بعض هؤلاء المجرمين سجلاتهم حافلة بالجرائم المتكررة التي يُعاقَبون عليها ثم يخرجون من السجن، إما بسبب انتهاء مدة محكوميتهم أو بسبب حصولهم على عفو، ثم يعودون من جديد لتكدير صفو المجتمع وتهديد سلامته وأمنه، بارتكاب جرائم قد تصل حد القتل أو الاغتصاب أو الاعتداء بالسلاح!
وللأسف فإنّ هذا هو ما حدث مؤخراً في مكة المكرمة عندما اعتدى مقيمٌ من إحدى الجنسيات العربية على فتاة أفريقية واغتصبها، ثم سلب منها جوالها ونقودها وفَرَّ هارباً من المنطقة النائية التي ارتكب فيها جريمته، تاركاً ضحيته في حالة يرثى لها!! هذا الشخص، حسب ما ورد في صحيفة سبق الإليكترونية، ارتكب جريمَتَيْ اغتصاب ومخدرات من قبل، وقد حُكِم عليه في الجريمة الأولى بالسجن ثماني سنوات وفي الجريمة الثانية خمس سنوات. والسؤال المُحَيِّر لماذا سُمح لهذا الشخص بالبقاء في البلاد بعد انتهاء مدة سجنه في الجريمة الأولى!؟ هل كان علينا أن ننتظر ليرتكب جريمة ثانية وثالثة وربما جرائم أخرى لم يكتشفها أحد؟
من المؤكد أنّ استصلاح الأشخاص الذين يرتكبون المخالفات أو بعض أنواع الجرائم، هو من الأساليب التربوية المجدية في بعض الحالات، فما أجمل أن يتم استنقاذ مواطن من المضي في الطريق الخطأ وإعادته إلى جادة الصواب، ولكن عندما يرتكب الإنسان جرائم خطيرة تهدد الآخرين وتُشيع الفوضى في المجتمع، فالأجدى هو تطبيق عقوبات قاسية ورادعة، بصرف النظر عمَّا يصدر من انتقادات من بعض المنظمات الدولية المناهضة لبعض أنواع العقوبات؛ فالمهم أن تتوفر شروط المحاكمة العادلة للمتهم وفرصة الدفاع عن نفسه.
أتمنى أن لا تتساهل أجهزتنا القضائية والتنفيذية مع المجرمين الذين يعاودون ارتكاب الجرائم، فأمن المجتمع وسلامته أهم من أي اعتبارات أخرى، وعلى المجرم أن يتحمل تبعات جرائمه.