د. عبدالواحد الحميد
ضمن فعاليات اليوم الوطني هذا العام استقطبت أمانة الرياض ثلاثمائة شاب للمشاركة في تنظيف أحياء وساحات مدينة الرياض. الفكرة بسيطة جداً في شكلها لكنها عميقة في دلالاتها، فما أجمل أن «تخشوشن» أيدي أبنائنا قليلاً في تزيين وجه الوطن ولو ليومٍ واحد. لكن الأثر الباقي لهذه المبادرة، كما نأمل، هو أن يتعلم أبناؤنا المحافظة على الممتلكات العامة وفي مقدمتها المحافظة على نظافة الحدائق والشوارع والأماكن العامة وأن يصبح ذلك جزءاً من سلوكهم التلقائي المعتاد كل يوم وليس في اليوم الوطني فقط.
لازلت أتذكر كيف ثار بعض الآباء عندما طلبت إحدى المدارس من تلاميذها أن يقوموا بتنظيفها بشكل جماعي عندما تقاعست شركة التنظيف عن وظيفتها فتراكمت الأوساخ والزبالة في المدرسة. ثار الآباء لأنهم اعتبروا أن مشاركة أبنائهم في تنظيف المدرسة إهانة لا تليق بمقامهم، مع أنها ممارسة تربوية رائعة سمحت بها الظروف عندما توقفت شركة النظافة عن تقديم الخدمة للمدرسة، وكأن لسان حال أولئك الآباء يقول إن بقاء المدرسة متسخة وتعَرُّض أبنائهم للأمراض أكرم من المساعدة في تنظيفها!!
هذا هو الفهم المغلوط لمعنى الإهانة، فليس هناك ما هو مهين في بيئة تعليمية أكثر من تعود التلاميذ على الدراسة وسط الزبالة! وبسبب هذا الفهم الخاطئ نجد أن الكثير من المواطنين، بكل أسف، يلقون بالزبالة في الشوارع وفي الحدائق العامة بالرغم من وجود الأماكن المخصصة لها. وقد صار من المألوف أن نرى بشكل متكرر المناظر غير الحضارية للقمائم المتراكمة في الحدائق العامة في نهاية اليوم وبخاصة في أوقات الإجازات ونهايات الأسبوع. وبسبب تراخي المواطن صار المقيمون يفعلون نفس الشيء فـ «إذا كان ربُ البيتِ بالدفِ ضاربا فشيمة أهل البيت كلهم الرقص»!
هذه المبادرة الحضارية من أمانة الرياض بمناسبة اليوم الوطني هي مثال يحتذى لما يمكن أن تقدمه الأجهزة الرسمية والأهلية من أفكار خلاقة ربما تبدو بسيطة لكن روعتها وعمق تأثيرها وديمومته تكمن في بساطتها وإمكانية تطبيقها دون تكاليف.
كثيرة هي الأفكار البسيطة البناءة، وهي مُجَرَّبة في شرق العالم وفي غربه، وما علينا سوى أخذ زمام المبادرة والانطلاق.