د. عبدالواحد الحميد
بالمصادفة، تزامن نشر مقالتي في «الجزيرة» عن الاستغلال الذي تمارسه شركات الأدوية في أمريكا مع نشر النتائج التي أسفرت عنها الجولات التي قامت بها الهيئة العامة للغذاء والدواء على عدد من الصيدليات في الرياض وجدة والدمام. وكنت قد أشرت، في ذلك المقال، إلى أنه إذا كانت شركات الأدوية الأمريكية تمارس الاستغلال للمستهلك فإن بعض وكلاء الأدوية والصيدليات عندنا يمارس غش المستهلك بالتلاعب في تاريخ صلاحية الأدوية وتخزينها بشكل غير مناسب وبأمور أخرى.
كانت نتيجة الجولات الرقابية التي قامت بها الهيئة العامة للغذاء والدواء في المدن الثلاث خلال خمسة أيام من إجازة عيد الأضحى مفزعة! فطبقاً لما نشرته الصحف، ضبطت الهيئة في ستين صيدلية 1479 مستحضراً طبياً منتهي الصلاحية أو غير مسجل لدى الهيئة! كما أن الهيئة كشفت مستودعا غير صالح لتخزين الأدوية يحتوي على مستحضرات صيدلانية منتهية الصلاحية أو غير مسجلة لدى الهيئة وعلى أدوية مخزنة في ظروف سيئة، وسيارات غير مناسبة لنقل الأدوية، وغير ذلك من المخالفات.
لا تشكل ستون صيدلية إلا نسبة ضئيلة من عدد الصيدليات في المملكة، ولنا أن نتخيل ضخامة عدد المخالفات التي ستكشفها الهيئة لو أن الجولة شملت جميع صيدليات المملكة وليس لمدة خمسة أيام وإنما على مدار العام. كما أن نوعية المخالفات لا تقتصر على ما جاء في الخبر بل تتجاوزه، وما يربط بين هذه المخالفات هو الجشع والبحث عن أعلى الأرباح حتى لو كان ذلك على حساب صحة المريض.
وعلى سبيل المثال، فإن تاريخ الصلاحية لم يعد يعني شيئاً للكثير من المستهلكين المتابعين. فتاريخ الصلاحية كان سيكون له دلالته لو أن الأدوية يتم تخزينها بطريقة صحيحة. ولكن ما دام بعض وكلاء الأدوية وبعض الصيدليات يخزنون الأدوية أحياناً في مواقف السيارات، مثلما جاء في الخبر، فما هي فائدة تاريخ الصلاحية وما هي الدلالة لهذا التاريخ حتى لو كان قد بَقيَ على انتهائه سنوات وليس أسابيع أو أيام؟
هناك فوضى عارمة نراها بوضوح في الصيدليات التجارية التي تتزاحم بأناقتها المفرطة وديكوراته الجميلة على امتداد شوارع مدننا وقرانا، ولكن هل يكفي المظهر للدلالة على المخبر؟
مطلوب من جميع الجهات المشرفة على عمل الصيدليات تكثيف جهودها لحماية صحة الناس، فالتجارة حلال لكن المتاجرة بأرواح الناس ليست كذلك.