رقية الهويريني
مما حكت لي الوالدة رحمة الله عليها فيما مضى؛ قصة شاب استيقظ من النوم وهو يعاني من الصداع الشديد وما لبث أن أصيب بالعمى دون وجود ألم في العين! فلم يستطع أن يرى يده! وعزا ذلك بإصابته بالحسد، فصار يرقي نفسه بآيات من القرآن الكريم وينفث على جسده، وبعدها استسلم لقدره أن يكون أعمى حتى توفاه الله.
تذكَّرت تلك الحكاية أثناء مشاهدتي لبرنامج في القناة الألمانية DW»» حول جلطة العين، وكانت المشاهد تعرض ما انتاب سيدة في الثمانين من عمرها حينما استيقظت من نومها ولديها صداع شديد وعدم قدرة على الرؤية! وتوجهت فوراً للمستشفى وتم تشخيص علتها بأنه التهاب الشريان الصدغي، وفيه يعاني المريض من الصداع واضطرابات في الرؤية مما يتسبب بجلطة العين وبالتالي العمى.
والعصب البصري شريان يزوّد عضلات الوجه وجلد الرأس بالدم، وتحدث الحالة نتيجة انسداد الوعاء الدموي في العين مما يتسبب بالاحتشاء أو التجلط الذي يمنع وصول الدم لشبكية العين، ويؤدي للإصابة بالعمى، إلا إذا تم التشخيص في الوقت المناسب، بعد ظهور أعراض تتمثَّل بالشعور بالفتور صباحاً والإحساس بالتعب لاسيما حول الصدغين أثناء المضغ وعند الحديث، وعادة يتركز الألم خلف الأذن مما يجعل التداخل وارداً بين جلطة العين وألم الأسنان! ولكن تحليل عينة من الدم والتشخيص الدقيق من خلال الموجات الصوتية تظهران حتماً النتيجة المؤكّدة، ويمكن لطبيب الروماتيزم فقط تشخيص الحالة بدقة، لأن أصل المرض التهاب روماتيزمي بالأوعية الدموية، وهذا الالتهاب يؤدي لخفض وانسداد الوعاء الدموي فيحول دون تدفق الدم إلى الرأس والعصب البصري مما يتسبب بالعمى المفاجئ.
وفي التهاب الشريان الصدغي؛ يهاجم الجهاز المناعي بالجسم الجدران الداخلية للأوعية الدموية مما يتسبب بالتهاب الجدار وتضييق الشريان، ووصول الالتهاب للأوعية الصغيرة للعين يشكل تهديداً بقتل العصب البصري مما يستوجب السرعة في العلاج بالكورتيزون ودواء للروماتيزم لتلافي استجابة المناعة الذاتية، وينبغي البقاء بالمستشفى حوالي أسبوعين، والمؤسف أن خطر الإصابة بالعمى المفاجئ وارد في أي وقت، وتصل الحالات في الدول المتقدّمة إلى20 % بسبب التأخر بالتشخيص، بينما في البلاد النامية تنتاب الكثيرون العوارض فيصابون بالعمى المفاجئ دون ألم بالعين، فيستسلمون للقوى الخفية وينسبونها للحسد!
حقاً كم أن الشخص محظوظ حينما يتم تشخيص حالته بدقة، وبالوقت المناسب من لدن طبيب متخصص ويحصل على العلاج اللازم!
فليس أجمل من العلم عندما يساهم في علاجنا وسعادتنا!
وليس أسوأ من خرافة تستحوذ علينا فتغلق مسام تفكيرنا!