محمد الشهري
كان بودّي لو أن تناولي اليوم ظل في إطار الفرحة بما حققه الأخضر يوم الخميس أمام شقيقه الإماراتي دون التطرق لما سوى ذلك من أمور فُرضت علينا كعشاق لمنتخب الوطن ما أنزل الله بها من سلطان، وبالتالي ما كان يجب أن تأخذ كلما أخذته من اهتمامات ومن مساحات على حساب أخرى، ولا سيما في ظل احتفالنا المبرر باستعادة بعضاً مما فقدناه على مدى سنوات على صعيد أداء ونتائج الأخضر، إذ من المفترض ألاّ يخرج تعاملنا مع نتائج هذه المرحلة تحديداً عن السياقات التي تنمّي وتدفع بنجوم المنتخب - دون إفراط - لتقديم المزيد من البذل والعطاء والتفاني، ولكن؟!.
ولكن يبدو أنه ما زال أمامنا مشوار طويل جداً كي نتخلص من بعض (سوءاتنا) الأزلية التي كانت وما تزال لها اليد الطولى في ما مررنا به من انتكاسات توشك أن تكون مسلمات؟!.
ذلك أن ما شاهدناه من طرح برامجي فضائي عقب اللقاء لا يبشر بأننا قد حققنا ولو الحد الأدنى من واجبات التعامل (برامجياً) مع المنتخب كمجموعة وليس كأفراد، وبالتالي فإننا ما نزال نعيش ذيول حقبة (التطبيل) المبني على الانتقائية غير المسؤولة التي من شأنها أن تولّد الحزازات، والشعور بالغبن في أذهان النجوم الذين تذهب مجهوداتهم وتضحياتهم التي يستثمرها زملاء لهم هباءً منثوراً عند الحديث عن الإيجابيات، في حين تذهب الإشادات والتلميعات - باردة مبرّدة - لمن استثمروا تلك المجهودات، ولا يعني هذا الانتقاص من شأن أو من جهد أحد على اعتبار أن كل عنصر قد قام بواجبه الموكل إليه، وهنا وجب حق الجميع في الثناء وذِكر الإيجابيات دون انتقائيات، ودون تفرقات.
تخيل يا رعاك الله، لاعب يحرث الملعب طولاً وعرضاً، يهاجم ويدافع، يتصدى ويقطع، يمرر ويصنع.. وحين تُذكر الحسنات يذهب ريع كل ذلك على شكل احتفاءات واحتفالات وكلبّات وأناشيد بمن استثمرها، فيما لا يُذكر هو إلاّ عرضاً.
بطبيعة الحال لن أدخل في تفاصيل الجدلية (البليدة) التي تدور حول: أن من يسجل الأهداف أحق بالثناء والتمجيد من الحارس الذي يذود عن مرماه، ومن المدافع الذي يقطع الطريق على المهاجم المنافس، ومن لاعب الوسط الذي يقدم الفرصة لزميله المهاجم على طبق من ذهب.. لأنه وبكل بساطة لا يساوي شيئاً بدون هؤلاء، أو حتى بدون أحدهم، مع عدم الاستهانة بدوره.
من هنا فإن أخشى ما أخشاه أن تفرض مثل هذه البضاعة الرديئة وجودها وتأثيرها على المديين البعيد والقريب في أوساط نجوم المنتخب، وقد لا ألوم أي لاعب مستقبلاً عندما يظل يستأثر بالكرة والفرصة لنفسه بدلاً من التمرير للزميل، ولو من باب الانتصار للجهد والذات أمام جحود برامج التطبيل الموجهة.
خلاصة القول: نبارك للأخضر المستوى والنتيجة.. ونتطلع للمزيد من الانتصارات واستعادة الهيبة.. كما نتطلع إلى مواكبة برامجية فضائية بعيدة عن الإسفاف، وعن زرع التفرقة بين نجوم الوطن، أياً كانت الدوافع أو الحوافز أو العوائد، طالما أصبحت هذه البرامج شر لا بد منه.
المعنى:
(ماذا عسى مادح يثني عليك وقد.. ناداك في الوحي تقديس وتطهير)
عمرو بن كلثوم