د. عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
منذ يونيو 2014 هبطت أسعار النفط بأكثر من النصف، لتقترب من 42 دولار للبرميل في أغسطس 2015 من نحو 115 دولار للبرميل، ويتوقع صندوق النقد الدولي أن تسجل الموازنة السعودية عجزا في 2015 يقارب 19.5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.
ارتبط نمو القطاع الخاص في الفترة الماضية بشكل وثيق بأسواق النفط، كما يمثل النفط نحو 85 في المائة من الإيرادات الحكومية، لذلك اضطرت الدولة إلى خفض النفقات غير الضرورية، مع الاستمرار في التركيز على مشروعات التنمية الأساسية في قطاعات الصحة والتعليم والبنية التحتية، لما لها من أهمية للنمو الاقتصادي على المدى الطويل.
الرهان على البترول لوحده لا ينهض بالاقتصادات، بالنظر إلى تقلبات أسعاره في سوق النفط العالمية ترتد بشكل مقلق على موازنات تلك الدول، كما أن الرهان على ما تمتلكه السعودية من احتياطيات قد يكون حلا مؤقتاً، لكن لا يجب أن يستمر طويلاً، وأن الدولة مدعوة بقوة إلى تنويع اقتصادها من خارج القطاع النفطي.
من المتوقع أن تستمر سياسة التوسع المالي، رغم خفض الإنفاق من قبل الحكومة من 36.3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي إلى 35 في المائة إلى 185 مليار ريال للعام 2015، ولكنه يظل أعلى من متوسط نمو خلال عشر سنوات ماضية عند 25 في المائة في السنة 2004-2013، ولا يزال يفوق الإنفاق مستواه قبل خمس سنوات بنسبة 36 في المائة.
استمرار الإنفاق على مشروعات التنمية الرئيسية، سيمكن القطاع الخاص من المشاركة في تمويل مشروعات البنية الأساسية عبر الشراكة بين القطاعين العام والخاص، مع مواصله الدولة في خصخصة المزيد من الشركات الحكومية عبر طروحات عامة أولية بهدف تنويع الاقتصاد. لأن خصخصة القطاعات الحكومية في السعودية إيجابياتها كثيرة على الاقتصاد المحلي، وهو ملف جزء من مشروع إعادة هيكلة الاقتصاد والقطاع الحكومي وفقا للمتطلبات الحالية، ويعتبر مطار المدينة المنورة أحد الأمثلة الذي يدار عبر القطاع الخاص دون أن تتحمل الدولة أعباء مالية، ما يدعو إلى توسعة في برامج خصخصة المطارات السعودية لاستيعاب 100 مليون مسافر. وتشير التوقعات إلى أن الاقتصاد غير النفطي سيحافظ على نموه المتسارع بمعدل 5 في المائة خلال العامين 2015و2016، لطالما كان الإنفاق الحكومي أحد ركائز الاقتصاد السعودي في الأعوام الأخيرة، حيث جرى الاستثمار في مجموعة واسعة من القطاعات ذات الأهمية الإستراتيجية، ابتداء من قطاعي النقل والإسكان وانتهاء بقطاعي الطاقة والخدمات المالية.
ومن المتوقع ضخ استثمارات في البنية التحتية بقيمة 1.1 تريليون دولار في العديد من المشروعات البارزة، التي من ضمنها مترو الرياض، ومترو مكة، بقيمة 23 مليار دولار و7 مليارات دولار على التوالي، ومشروع محطة الشقيق لتوليد الكهرباء بقيمة 3.3 مليارات دولار.
سيحافظ قطاع البناء والتشييد في السعودية، كأحد القطاعات الأكثر نمواً في الاقتصاد، بمعدل نمو سنوي 6.6 في المائة عام 2015، وسيشهد قطاع التكرير نموا بنسبة 10 في المائة، ونتيجة النشاط القوي في المشاريع، وزيادة الطلب المحلي عام 2015، سيدعمان تحقيق نمو قوي في قطاع البتروكيماويات، خصوصا بعد دخول عدد من المشاريع الصناعية مرحلة التشغيل خلال عام 2015، وعلى رأسها مجمع صدارة للبتروكيماويات الذي يبلغ تكلفته 20 مليار دولار.
ويتوقع أن تزداد الإيرادات غير النفطية من 131 مليار ريال عام 2014 إلى 134 مليار ريال عام 2015، ويبلغ الناتج المحلي الصناعي مرتفعا من 15 مليار عام 1975 إلى 172 مليار ريال عام 2013، باستثمارات عربية وأجنبية نحو 573 مليار ريال بنهاية مايو 2015، فيما بلغ إجمالي الاستثمارات في الصناعة أكثر من تريليون ريال، وارتفعت قيمة القطاع الخاص من 300 مليار ريال عام 2003 إلى تريليون ريال عام 2013.
يبقى القطاع الخاص غير النفطي المحرك الرئيسي لنمو الناتج المحلي الإجمالي للاقتصاد ككل، وبالفعل عكست المؤشرات المالية العامة لأكبر 100 شركة سعودية وفقاً لتقرير أعدته جريدة الاقتصادية لعام 2015، قوة ومتانة الاقتصاد السعودي في مواجهة التحديات التي تعيشها المنطقة، حيث تجاوزت إيراداتها أكثر من 727 مليار ريال، بأصول 3.66 تريليون ريال، وهو ما يسهم في تعزيز ثبات الاقتصاد الوطني على المدى الطويل. وتشكل الشركات الصغيرة 86 في المائة من إجمالي الشركات في السعودية، التي لم تتمكن من تحقيق طموحات توظيف الشباب السعودي التي ارتفعت فقط من 10.9 في المائة إلى 15.2 في المائة بين عامي 2011- 2013.وبالعودة إلى نجاح قطاع الصناعات الألمانية، فإن الشركات الصغيرة والمتوسطة تعتمد على الشركات الكبرى، التي تشكل قوة في سوق الأسهم، وتجعل المصانع المتوسطة والصغيرة التي لا يتجاوز عدد العاملين فيها قرابة 300 شخص شريكة لها في قطاعات جزئية، وهذه القدرة في المزج نجحت، وفي سنوات قليلة تمكنت هيئة المدن من توفير مواقع للصناعات الثقيلة وأخرى للمتوسطة والصغيرة، يمكن أن تطبق نفس الإستراتيجية في السعودية وتتحمل الشركات الكبيرة مثل هذا المزج لتقوية القطاع الخاص كمحرك رئيسي للتنمية.