د. عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
عندما ينهار الاقتصاد لأي سبب كان فإن الاقتصاد بحاجة إلى تحفيز ونمو للنشاط الاقتصادي. وعادة ما تلجأ الدول إلى الفائدة الصفرية لتشجيع الاقتراض. ولكن حينما ينهار الاقتصاد، وتنهار معه الثقة، فإن البنوك حينها تنفر كثيراً من المغامرة لدرجة أنها لم تعد مستعدة لتحمُّل مخاطر الائتمان حتى ولو كان ذلك في ظل سياسة الفائدة الصفرية، أو من دونها.
وعندما تجف مصادر الإقراض تلجأ عادة الشركات الكبرى إلى خطوة أخرى، هي إصدار السندات طويلة الأجل، وهي في الوقت نفسه تهدف إلى خفض تكاليف الاقتراض لأجل طويل.
ولكن الشركات المتوسطة والصغيرة لا تستطيع اللجوء إلى مثل هذه الخطوات، وهي الكيانات التي تولد الوظائف داخل البلد، وهي على عكس الشركات الكبرى التي تولد وظائف ما وراء البحار وليس في الداخل.
وفي الماضي كانت هناك ضغوطات على البنوك لإقراض الشركات المتوسطة والصغيرة، ولكن اليوم لم يعد يجدي هذا الأسلوب مع البنوك، وهي على حق. وتلجأ اليوم (وول ستريت) إلى ما يسمى بالممولين الأذكياء الذين يقومون بإعادة تمويل القروض التي حصلوا عليها لشراء المنازل بأسعار فائدة متدنية للغاية، تسمى بعملية الـ (التويست)، وهو غير مسموح لمؤسستي فاني وفريدي بإعادة تمويل قروضهما.
والحقيقة لا يوجد حلٌ سحري بعد الأزمتين الاقتصاديتين اللتين مرت بهما الدول الغربية، الأولى أزمة الرهن العقاري في الولايات المتحدة لذوي الملاءة المنخفضة، والثانية أزمة الديون السيادية عام 2010 التي أدخلت الاقتصاد في أزمة عميقة وركود، بينما تجد الشركات المتوسطة والصغيرة صعوبة في جمع الأموال.
ولكن بالنظر في النموذج الإسلامي الذي يرفض ضمان المال المستثمر، ويفرض على المال المشارك أن يشترك في الربح والخسارة حتى يقرض المال لمشاريع ناجحة، يغلب فيه الظن أنها مربحة، وهي وسيلة لتأمين جمع المال بطريقة مستدامة، وفي الوقت نفسه تحمي الاقتصاد من التآكل والانهيار؛ لأنها تركز على نمو الاقتصاد الحقيقي، وليس على نمو أصول الأموال؛ فتصبح المشاركة ضابطاً وضامناً ومصدر توفير الأموال من أجل حماية الاقتصاد الحقيقي الذي يوازن بين قوى العرض والطلب؛ لأن المشاركة تفرض على الطرفين - وخصوصاً صاحب المال - دراسة السوق دراسة دقيقة قبل الانخراط في تمويل مشروعات غير رائدة؛ لأن المشروعات الرائدة هي التي تولد مشاريع أخرى جديدة ناشئة، وتولد فرص عمل جديدة تحرك من النمو الاقتصادي.
وحان الوقت أن يتجنب المستثمرون الأخطاء التي تطيل الانكماشات العالمية وتعميقها. وتشمل هذه الأخطاء الافتراضات الخاطئة بأن القروض التي يتم الحصول عليها بضمان عقاري تعتبر أصولاً عالية الجودة، وكذلك أن المديونية العالية هي أفضل طريقة لتعظيم الربح. وحان الوقت أن يصبح النموذج الإسلامي مصدر إلهام من أجل إصلاح الخلل في النظام الاقتصادي العالمي.