د. عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
يجادل كثير من الاقتصاديين بأن الأزمة المالية في عام 2008 ولدت نتيجة فشل سوق القروض العقارية، ولا زالت أساب الأزمة السابقة قائمة حتى بعد الأزمة المالية بخمس سنوات ولم تتمكن السوق المالية من العودة إلى المسار الصحيح، وينتقد الاقتصادي امار بيديه الأستاذ في جامعة تافتس في بوسطن واقع السوق المالية بأنها تشبه التخطيط المركزي زمن الاتحاد السوفيتي الذي انتقده المفكر النمساوي فريدريش هايك وهو أحد المدافعين عن السوق الحرة، لأن التخطيط المركزي يساوي بين العاملين ويهمش الكفاءات والقدرات وكذلك السوق المالية تركز اليوم بشكل كبير على السيولة وتجعل كل شيء قابل للتداول بسبب اعتماد المصارف على النماذج الرياضية مما يؤدي في النهاية إلى تشويه السوق المالية.
ويشبه هايك وضع كل شيء في أنموذج صممه شخص ما في مكتبه بعيداً عن السوق مثله مثل المخطط المركزي الذي يخطط في مكتبه بعيداً عن السوق ولا يفرق بين قدرات وجهود العاملين في السوق ويساوي بينهم وكذلك فإن الكمبيوتر الذي يشبه التخطيط المركزي الجاهل بالفروق المحلية والذي تم فرض نسخته على كثير من البلدان في أنحاء متفرقة من العالم، وستوزع الفائدة بشكل متساوي بين هذه المناطق المتفاوتة دون تفريق نتيجة الأداء أو العمل، وكلما يطالب الاقتصاديون بإصلاح سوق المال يواجهون بمعارضة تلقائية بأن تلك الإصلاحات ستؤثر على السيولة.
ونتيجة هذه السيولة المصطنعة ساهمت في زيادة نمو التعاملات العالمية في العملات الأجنبية ما يزيد على ألف تريليون دولار سنوياً وهو رقم يتجاوز الناتج العالمي كثيراً بسبب فرض التصميم الكمبيوتري نموذجه ونسخته على أنحاء شتى في أنحاء العالم الذي جعلها تشتكي من حروب العملات بسبب أن الأسواق السائلة سمحت بإعطاء ائتمان يفوق حاجة الطلب فيختل ميزان السوق ما بين العرض والطلب أي تحفيز الطلب بشكل غير طبيعي أي لا يخضع لأساسيات السوق نتيجة توليد سيولة من دون إنتاج حقيقي أو غير ناتجه عن بيع إنتاج حقيقي.
والخطير في الأمر أن مثل تلك السيولة ذهب أغلبها للقروض الاستهلاكية ويمنع ذهابها للشركات الصغيرة التي هي بحاجة إلى مال وهي المحرك الحقيقي للإنتاج وللاقتصاد لمجرد أن المصارف تركز على تداول التوريق المالي مما ينشط دور السماسرة الذين يشترون السندات المدعومة بالقروض العقارية لحسابهم الخاص.
بينما كثير من الاقتصاديين يطالبون بإجبار المصارف على الإمساك بمزيد من القروض التي صرفتها للآخرين حتى لا تتشرذم الأسواق مرة أخرى وتعود السوق مرة أخرى إلى أزمة مالية جديدة. ولم يطبق المصرفيون قاعدة فولكر التي تطالب المصارف بالبعد عن التداول لحسابها الخاص ما يجعلها تجمع بين عملين ولن يؤهلها لصرف القروض بحصافة لأنها ستكون ضالعة في التداول ومن أجل تنشيط التداول يمكن أن تتجه نحو الاقراض غير الحصيف أو بيع القروض على السماسرة مما يعيق إقراض الشركات الصغيرة المنتجة.
وقاعدة فولكر لو طبقت فهي تنزع من هذه المصارف النشاطات التي لا يمكن الاضطلاع بها وهي مسؤولية شركات خدمات أخرى كشركات الوساطة من أجل تجنب الأسواق المصطنعة الشاذة التي لا تستطيع البقاء من دون مساعدة من الحكومات خصوصاً حينما يمتنع كثير من المقترضين التخلف عن السداد.
فتحقيق أعلى المكاسب على حساب الاقتصاد الحقيقي وعلى حساب الأخلاق مرفوض في الدين الإسلامي، والدين الإسلامي لم يحرم التعامل بالربا فقط بل حرم التعامل بالمعاملات القائمة على الغرر والجهالة وبيعتين في بيعة سواء في البيع الآجل أو في البيع المؤجل، ويربط الدين الإسلامي بشكل قوي ما بين التمويل وتحقيق القيم الإنسانية التي تعزز من فرص الرفاه والتنمية للمجتمعات.