عبدالعزيز القاضي
جيتك على سود المجاهيم حافي
أبنشدك عقب البطا كيف الأحوال!
وفي رواية (لجل أنشدك عقب البطا..), والبيت كما أظن يتيم, كما أنه مجهول القائل (ولعل من يعرفه يوافينا باسمه مشكورا), ولم يفدني الشيخ قوقل بمعلومات حوله سوى ما انتشر عبر وسائل التواصل والمنتديات من ربطه بحكاية طريفة مفتعلة تقوم على جلاء المفارقة عند ترجمة معناه للغة الإنجليزية, وقد أغرى هذا الأسلوب بعض الظرفاء فترجموه إلى بعض اللهجات المحلية.
وارتبط البيت بالظرف في كل أحواله فهذا أحد الظرفاء أيضا اخترع قصة ليجعلها مناسبة للبيت وذكر في ختامها سبب الترجمة للإنجليزية, وموجزها «أنه في عام 1939م قدمت قافلة سيارات من الأردن متجهة إلى اليمن وعند وصولها منطقة نجد تعطلت إحدى السيارات وكانت تقل رجلا بريطانيًّا وابنته الشابة والسائق يمني!
وكان قريبا منهم شاب بدوي يرعى إبله, فلما رأى ما حدث للسيارة اتجه إليهم فورا وعرض عليهم المساعدة, فثمنوا له هذه البادرة ووافقوا فمكثوا -مضطرين طبعا- في ضيافته أربعة أيام, وخلال تلك المدة أسرت حياة الصحراء الشابة البريطانية كما أعجبتها أخلاق البدوي, فمالت إليه كما مال إليها, وفي اليوم الخامس حضر السائق ومعه قطع الغيار فأصلح السيارة, فودع البريطاني الشاب البدوي بعد أن شكر له جميل صنعه, وقالت الفتاة للشاب إنها ستعود إلى عمّان في العام المقبل وأنها تتمنى أن تلتقي به هناك. وبعد عام ذهب للقائها على ناقته بعد أن فشلت محاولاته في الذهاب مع قوافل السيارات التي تمر به!! ولما وصل عمّان وجد الفتاة بعد بحث مُضْنٍ ولما قابلها بادرها قائلا:
جيتك على سود المجاهيم حافي
أبنشدك عقب البطا كيف الأحوال!
فلما لم تفهم ترجمه لها بالإنجليزية..».
هذه هي الحكاية الطريفة المخترعة التي كتبتها مخيلة ذلك الظريف.. وشواهد اختراعها لا تحتاج إلى بيان فهي واضحة لكل ذي بصيرة.
واكتسب البيت (الرواج) من طرفة الترجمة, لكنه اكتسب (الجمال) من فكرته وصياغته وصورته الحلوة, ومن وضوح معناه وسهولة ألفاظه, وإذا كانت لفظة (المجاهيم) تعد من الألفاظ الخاصة فإن إقحامها في هذا السياق ملّح البيت ومنحه بصمة الشاعرية.
والبيت يذكر أن الدافع لهذه الرحلة الشاقة هي (السؤال عن الحال) فقط, لكن الحقيقة أن الدافع هو (الحنين ولهيب الشوق) فرائحة الحب منتشرة بين كلماته.
واستوقفني في الشطر الأول قوله (سود المجاهيم) والمجاهيم هي الإبل السود, وهذا يعني أن كلمة (سود) قبلها حشو. أما كلمة (حافي) في البيت فغير متوافقة مع هذا السياق لأن ذكر الحفاء مع الركوب لا طائل من ورائه, ولذلك فإن للبيت رواية أخرى هي (جيتك «مَعَ» سود المجاهيم) ويبدو أنها من تعديل بعض المتبصرين, لكن ذكر (المجاهيم) في هذا السياق لا فائدة منه أيضا! وإذا كان البيت جميلا على رغم أنف كل هذا التفصيل فإني أظن أن إيراد كلمة (سود) يصنف في مجال تأكيد المعنى, إضافة إلى أن موقعها الموسيقى في البيت حلو عذب. أما (حافي) في مثل هذا المعنى فهي كناية - شبه متعارف عليها عندهم - عن ضغط الدافع الذي عادة ما يصاحب تلبيته السرعة والذهول عن أبسط الأشياء كلبس الحذاء.
وأخيرا يقال إن أحد الظرفاء لما سمع البيت عدّل - من باب الدعابة - شطره الثاني فقال:
جيتك على سود المجاهيم حافي
(وأنتا على بيض المجاهيم هجيت!)
وقوله (بيض المجاهيم) إمعان في حبك الطرفة, ويمكن أن يكون استخدم (المجاهيم) بمعنى الإبل عامة دون النظر إلى خصوصية اللفظ, كما يمكن أن يكون استخدمه على سبيل (المشاكلة), كقول الشاعر:
قالوا اقترح شيئا نجد لك طبخه
قلت اطبخوا لي جبّة وقميصا!