د. خيرية السقاف
لن ينسى الناس أن منظر السلاح يحمله الجندي مختبئا في بزته العسكرية كان يرعب الكبار, ويهابونه قبل الصغار..
وأن فكرة تدور في الرأس بأن هذا السلاح مزود بالذخيرة كفيلة بضبط سلوك العابر جوار الجندي في شارع أو طريق، داخل عربة, أو نحوها..
وأن هذه الثقافة السلمية تفتت جدارها, وانقض في ضوء ما تبثه الأفلام الأجنبية من قصص السلاح فيها هو القاسم المشترك في وضع نهاية حكاياتها التي تعلم الناس الجريمة, وتهون عليهم القتل, وتدربهم على خطط الشيطان..!
حتى إذا ما انغمس هؤلاء المسالمون من أبناء جلدتنا في مجتمعات العالم المنفتح، وجدوا، وشاهدوا السلاح بين أيدي قاطع الطريق, ومقتحم المطعم, والقطار, والمتسلل من الأبواب، والمتسلق الجدران، والمعتدي على النساء والقصَّر, والملاحق الأثرياء, والطامع في أمر..,
بل تعرَّفوا عن طريق الحدث, والقصة, وواقع الحياة هناك على عصابات تخصصت في الجريمة, والسلاح بين أيدي أفرادها كأنما هو كوز من «الأيسكريم» متى تعطشوا لحلاوته, وبرده رفعه أفرادها لأفواههم..!!
ثم إنه لم يعد السلاح قطعة صغيرة تندس في الجيب, ولا أكبر تعلق على الكتف, أو تطوق بها الخاصرة..
بل السلاح غدا أسلحة فتاكة بالغة التعقيد, والسرعة, والنفاذ برا، وجوا، وبحرا..!
الأمر الذي جعل الموت لم يعد يرجف الأطراف ذكره, بل غدت الجثث صورة ملازمة لشهقة نَفَس, وزفرته..!
في المجتمعات التي تدعي الأمن, وسلم الأفراد, وسعادة الحياة ورفاه الفرد, وحقوقه المدنية, ونفوذه الذاتي, صانعة الأسلحة, ومطورتها, وباذلة مقدراتها وخيراتها لأجله, نقرأ, ونسمع باستمرار عن جرائم السلاح فيها يسيرا أن يكون بين يدي معتوه, ومختل, وحاقد, ولا مسؤول.. فعندهم تُقتحم الكنائس, والبيوت, والجامعات, ويقتل الأفراد, والجماعات, والأهداف تتنوع وتختلف, وما أسندوها لدينهم ولا لتعاليمه..!
آخرها جرائم السلاح الفردي الناري ما حدث أول أمس في كلية «أومبكوا» بمعهد تعليمي جنوب غرب ولاية «أوريجون» الأمريكية..
لقد راح ضحية مجرمها حامل السلاح ذي الست وعشرين عاما تسعة أرواح, وسبعة قيد الخطر..,
لقد شقت زجاج قاعة درس من سلاحه رصاصةٌ طائشة استقرت في رأس معلم منهم..!
لو حدث هذا في مجتمع عربي لجير للإرهاب,.. بل للإسلام..
أما وأن هذا الجاني قد وجه قبل إطلاق رصاصاته سؤالا للجميع عن هوية ديانتهم, مما يلمح لغرض ما, فإنه الإرهاب عينه,..
كما هو نموذج مصغر لجرائم أوسع مدى, وأفتك بالأرواح، وسيلتها الأسلحة المتطورة التي يذهب ضحيتها الإنسان في كل مكان,..
وهي التي هجمت مؤخرا على منطقة الشرق الأوسط بلا هوادة, بددت, وشتتت, وخلطت..!
إنهم نتيجة لهذه الجريمة الأخيرة يناشدون بتقنين امتلاك السلاح الناري في ولاياتهم, ويعزمون على تصحيح القانون في بلادهم كما ناشد رئيسهم..!!
فما يقول هنا, وفي الوطن العربي كل من يسعى لامتلاك سلاح فوهته في يد النفس الأمارة بالسوء وهم من كانت ثقافتهم السلم, والسلام، والحياة الطيبة, وثقافتهم المعاشية خالية من مفردة السلاح وقاموس النار..؟
نعم, ما يقول كل من تهون عليه روح, بعد أن كان جوفه يخلو من الدكن..؟!