د. خيرية السقاف
غداً وقفة بين يديك ربي..
هذا الحجيج أتاك من كل فج عميق, ودرب طويل..
أتاك من يحمل على نفسه جهد المعاش, وكرب الحياة، ومكائد العثرات..
أتاك من تنوء كتفاه من عبء الكفاح, وحرقة الشموس, وألم الحفي..
كما أتاك من مل الحرير من يديه, وأشبعه الرفاه فأغراه, وعطس الغنى فأعماه..
أتاك الفاقد الباكي, والمظلوم الشاكي, والحزين بمرضه, والصحيح بعافيته..
أتاك ذو الخلق, عفيف النفس, ومن نزع رداءه, وظلمته نفسه..
كل خلقك الذين أتوك راغبون في أمر.. عساهم يجتمعون على التوبة والتطهر..
إي ربي..
خلقك الآتون إليك يركضون بكل أثقالهم فرحة لغد يوم لقاك على ثرى عرفات..
يطوفون, يسعون, يصلون, يبتهلون, يكبرون, يهللون, يبكون..
بين يديك يفرغون أحمال صدورهم..
يشوقون لثرى المقدسة، يكحلون عيونهم بسواد الشامخة، يسقون عروقهم من نمير زمزم..
يشمون رائحة جبالها مكة..
يلتقطون فيها أنفاساً لهثت بالذي ترضاه كان منهم, وبالذي لا فتجاوز عنهم..
يأبون أن يخرجوا منها إلا مجبوري الخاطر، مجاباً دعاؤهم, مقبولة توبتهم, مهدية نفوسهم, ملتحفين برد العفو, مشمولين ببرد الرحمة..
غداً, العاجز منهم, والصحيح, المعافى فيهم والسقيم, الضاحك بينهم والباكي..
كلهم الكبير والصغير, العاصي والعابد، الغافل والنابه بين يديك ربي..
وهذه مكة تفتح ذراعيها الوثيرتين تلمهم..
تمنحهم ضمة حضن في دفء قدسيتها..
تعطرهم بعبق خشيتها, تسقيهم من مطر روائها, تلقمهم من طبق إيمانها, تحرك فيهم خيوط التقوى، وتكسيهم من نسيج الرسالة نوراً وبساطاً..
مكة، غداً يسجلون على أرضها الركعة مضاعفة, والحسنة بأكثر..
لتسكن فيهم الحنين لدربك وداً متواصلاً يا رب..
غداً, هؤلاء خلقك القادمون إليك بشوقهم, ورجائهم, وتوبتهم, وسؤلهم..
بعبوديتهم إيماناً, وبامتثالهم يقيناً, وبسعيهم يقيناً..
تقبلهم, تقبلهم يا ربي وربهم بما أنت أهله من العفو, والعافية, والبر, والرضا..
قبولاً مفعماً بعفوك ومعافاتك..
فلا تردهم خائبين, ولا خزايا, ولا مرفوضين..
أصلح شؤونهم, ونواياهم، وأفعالهم..
«دينهم ودنياهم» وخاتمتهم..
أعنهم على الإخلاص, وعلى البرء من أدواء النفوس, والعقول..
مكِّنهم من الإيمان التام, وزدهم إيماناً, طهِّرهم من الدنيا, وقرِّبهم إليك..
اجعلهم قرة أعين لآبائهم, ورفقاء لنبيهم عليه الصلاة والسلام,
نق اللهم دينهم من الشوائب, وعقولهم من الأغبرة, ونفوسهم من الغرور..
اجعل نعمك لهم مضاعفة، واحفظ عليهم أمن العافية وقوة الأخوة في دينهم..
اجمع كلمتهم، ووحِّد صفهم، ومكِّنهم من أعدائهم على قلب واحد..
اللهم..
تقبلهم حجيجك، وتقبل ممن خدمهم, ولا تحرمهم أجر الاستضافة..
وأتم علينا فضل الشكر والحمد بخاصة الانتماء لهذه المقدسة يا رب.. واحفظها مكة آمنة مستقرة.
اللهم أدم النعم, وضاعف الثواب, وتجاوز عن القصور..
وبرحمتك افتح الأبواب إليك، وعزهم وإيانا بحسن الجواب..
اللهم اجعله حجاً ميسراً محفوفاً بعنايتك, ورحمتك وحفظك..
واختمه بعيد مبارك لهم، ولنا ولكل المسلمين..
فسعادة قبولك يا رب..
اللهم آمين.
* * *
أستودع قرائي الأعزاء ربي حتى ألتقيكم بعد أسبوع من الآن إن شاء الله.