د. عبدالرحمن الشلاش
صرخات وتوسلات اليافع مدوس العنزي لم تنفذ عبر أذني ابن عمه الإرهابي سعد، وهو يصوّب بندقيته نحوه بعد أن ربط قدميه ورجليه بالحبال، وشلّ حركته ووضعه أمام قدر مفاجئ دون سابق إنذار، وكلف أخاه الصغير بمهمة التصوير. عبارة اليتيم مدوس «تكفى يا سعد» هزت وجدان مجتمع بأكمله، وانفطر منها الحجر الصلد دون أن يلين لها مخ الداعشي سعد، والمغسول بمهارة مجرمين محترفين أتقنوا تماماً اصطياد الشاب الصغير عبر الإنترنت، وزجوا به لمحرقة موت قطع فيها حبال ود وحب وعشرة بين أفراد أسرة صغيرة فُجعت بمأساتها وباتت مكلومة لا تدري إلى أي مدى ستصل أحزانها.
لم يشفع لليتيم مدوس - رحمه الله وأسكنه فسيح جناته - أنه تربى مع ابن عمه سعد في بيت واحد وتحت سقف واحد. جريمة مدوس في نظر ابن عمه الداعشي أنه يعمل في جهاز الأمن، وهي جريمة أي رجل أمن في نظر حمير داعش، وقد حذرت في مقالة لي سابقة بعنوان: «احذروا وحذّروا من المقاطع الداعشية» يوم السبت 13 رجب 1436 من انتشار بعض المقاطع الخطرة على عقول شبابنا، ومنها مقطع يظهر فيه شاب بلحية كثيفة ووجه ينضح بالكراهية يقول في المقطع: «أخي الموحد يا من حبسك العذر في جزيرة العرب كل من يريد أن ينفر قل له لا تنفر.. اقتل جندياً أو جنديين وتعال.. تبرأ من أقرب الناس لك ممن يحاربون الدين.. أبيك.. عمك.. أخيك.. ابن عمك وأي أحد يعمل في الداخلية، وإذا لم يسمع نصيحتك اقتله..»، وقلت في نهاية المقالة كيف نحمي شبابنا من تأثير هذه المقاطع الخبيثة؟
تحريض صريح وواضح ومباشر يُؤثر في صغار السن والجهّال والسفهاء، فيُؤجج فيهم الحماس للقتل والتدمير، وهو ما أدى بسعد ومن قبله من سفاحين وقتلة إلى هذا المصير الأسود، ولعلنا ندرك جميعاً أن فضاء الإنترنت الافتراضي بمواقعه المتنوعة قد أصبح مجالاً غير محكوم، بل هو خارج السيطرة في الغالب يرتع فيه صاحب كل فكر وتوجه، وتُوظّفه الجماعات الإرهابية لخدمة أهدافها القذرة بتجنيد الشباب ضد وطنهم ومجتمعهم، كما نعرف أن برامج التوعية والتثقيف مهما بلغت من القوة ومن واقع تجربة ذات تأثير محدود، لذلك ما السبيل للحد من تأثير جماعات داعش على شبابنا وصغارنا؟
أعتقد أن الرهان في الوقت الحالي على الأسرة ممثّلة في الأب والأم والإخوة والأخوات الكبار خصوصاً أنهم الأقرب، وعليهم مسئولية التوجيه والمتابعة المستمرة غير المنقطعة. إحساس الوالدين بأبنائهم أقوى من أي أحساس شريطة أن يكونا قريبين منهم، ولا يتركونهم لوحدهم يشركونهم في أي شأن من شؤون الأسرة، ويحرصون على حضورهم كافة المناسبات العائلية، ويقتربون منهم ليتشاركوا معهم في المواقع التي يدخلونها ويوجهونهم بطريقة غير مباشرة إلى المواقع والحسابات المفيدة.
لا بد أن يعي الأهل مؤشرات التطرف عند الأبناء، ليتداركوا المواقف قبل استفحالها، ومنها سهولة اتهامهم للآخرين بالكفر مثل الحكومة والعلماء وتفضيل العلماء المتطرفين عليهم وفرحهم بالعمليات الإرهابية، وانعزالهم وإهمالهم للدراسة أو العمل وانتقاصهم من إنجازات المجتمع. دور الأسرة عظيم ولا يُستهان به فكم من أب وأم أنقذ ابنه من محرقة الإرهاب.