د. عبدالرحمن الشلاش
اليوم السبت الثاني عشر من شهر ذي الحجة تنطلق قوافل الحجيج من المتعجلين صوب مكة المكرمة لأداء طواف الوداع في طريقهم لبلدانهم، بعد أن وفقهم الله - عز وجل - لقضاء مناسك حجهم، وزيارة بيته العتيق في رحلة العمر إلى الديار المقدسة.
إذا كانت الدولة في موسم حج هذا العام قد بذلت جهوداً كبيرة لتحقيق أعلى درجات النجاح، وفي ظروف وجود أكثر من مليوني حاج في مساحة محدودة من الأرض، فإن ما صرح به المسؤولون حول نجاح خطة «لا حج بلا تصريح» يُعدّ مؤشراً مشجعاً لنجاح الخطة بشكل كامل في السنوات القادمة للتقليل من الازدحام، ومنح أريحية أكبر للحجاج، وإعطاء فرص أكثر كي يحصل الجميع على ما يقدَّم من خدمات بيُسر وسهولة.
مؤشر جيد حتى ولو حدثت بعض الاختراقات المحدودة من بعض الجهال والمعاندين وعشاق الفوضى، أو من أصحاب فلسفة «يا أخي خل الناس يحجون ليه تمنعونهم». وهؤلاء الفلاسفة بالذات لا يدركون تبعات فتح الباب على مصراعيه دون تنظيم، وما يسببونه هم وغيرهم من اختناقات وازدحامات وحرمان لمن لم تُتَح لهم فرصة الحج، وينتظرون الفرصة بفارغ الصبر!
عشاق الفوضى لا يحبون النظام؛ لأنه ضد مصالحهم الشخصية؛ لذلك ستجدهم يبحثون عن أي واسطة للحصول على التصريح، وإذا لم يفلحوا سيبحثون عن أي وسيلة للنفاذ عبر نقاط التفتيش للدخول للأماكن المقدسة، سواء بمرافقة إحدى الحملات الكبيرة، أو حملات الدعاة، وإن لم يتيسر فسيحاولون عبر طرق التهريب أو الاختباء والتسلل عبر منافذ وعرة. قبل أيام قليلة تم القبض بمدينة جدة على عصابة لتزوير تصاريح الحج، وبحوزة أفراد العصابة نحو ستمائة ألف ريال وأختام وإقامات ومجموعة من التصاريح المزورة الجاهزة للتسليم. القبض على العصابة حرك فرضية وجود مثل هذه العصابة في مواقع أخرى؛ ما يستدعي من أجهزة الأمن الحريصة التنبُّه لهذا الأمر.
للأسف، من يحاولون خرق النظام بينهم دكاترة وأساتذة ومشايخ، عندما تناقشهم تُصدم بمستوى تفكيرهم. التقيتُ أحد هؤلاء في مجلس عام بعد عيد الأضحى العام الماضي. شخصياً، لا أعرفه؛ وأقابله لأول مرة. هنأه أحد الجالسين على أداء فريضة الحج، ودعا له بالقبول؛ فشكره على الفور. سأله شخص آخر عن سر تكرار حجه كل سنة رغم المنع! ضحك بسخرية ممقوتة ثم بدأ يروي مغامراته وكسره للنظام بلا حياء. حينها لم أتمالك نفسي؛ فقلت له: إن حجك تم بطريقة غير مشروعة؛ كونه جاء بدون إذن ولي الأمر الذي سمح لمن يريد الحج من الداخل بمرة واحدة كل خمس سنوات بغية التنظيم، ومنع الازدحام، وإتاحة الفرصة لمن يرغب في الحج! رد علي وكأنه لم يقتنع بكلامي، وقال: أنا متخصص في الفقه، ولا يوجد ما يحرم الحج كل سنة!
أمثال هذا الشخص كثير، لا يتورعون عن كسر النظام وتشجيع الآخرين على خرقه غير مهتمين بالمصلحة العامة. وهؤلاء بحاجة لجهد متواصل؛ كي يتفهموا أهداف تقنين الحج. أما قرار الحج بتصريح فلا شك في سلامة المقاصد من وراء إقراره، ولكن نجاحه بشكل كامل مرهونٌ بتطبيقه بصورة شاملة، ودون استثناء.