عبدالحفيظ الشمري
في المرحلة الفاصلة في حياة الطفل بين المنزل والمدرسة تظهر حلقة زمنية وتربوية مهمة، تتمثل غالباً في العامين الخامس والسادس من عمره؛ فيطلق عليهما تعليمياً وتربوياً «رياض الأطفال»؛ لتأتي هذه المرحلة حلقة قوية من حلقات الربط بين حياة الطفل في كنف أسرته وتهيئته لعالم المدرسة وما تحمله من سلوك وتربية وتعليم.
وحينما نتأمل هذه الفترة التي يعد فيها الطفل، ومن خلال «الروضة» أو «التمهيدي» في المدارس الحكومية والأهلية، لا بد للمتابع أن يقف على أهداف كثيرة، أهمها يتمثل في السعي إلى تلمس ما لدى الطفل من مواهب وأعمال عقلية ويدوية، تكون هي مرحلة الكشف الأولى لهذه التجربة الغضة.
وقبل هذا وذاك في عالم «رياض الأطفال»، فإن الكثير من الباحثين والمختصين في هذه المرحلة المهمة يرون أن أبرز ما يقيم حالة الطفل، ويضمن لها الانطلاق في الحياة التعليمية، هو أن يراعي الجميع أن هذا الطفل هو بمنزلة نبتة صغيرة؛ تظل بحاجة إلى مزيد من الغذاء والضوء والهواء والبيئة الصحيحة؛ لتكتمل معالمها؛ فهو بحاجة إلى توافر سُبل الحياة الضرورية من غذاء جيد، وكساء مناسب، وفصول تعليمية متكاملة؛ ليستعد للمرحلة التربوية والتعليمية بشكل مناسب.
أمر آخر يجب أن ندركه معاً: أن ثالوثاً مهماً يتجاذب حياة الطفل في مرحلة رياض الأطفال وما بعدها، يتمثل في الأسرة والتعليم والمجتمع. فهذه المنطلقات الثلاث هي من تحكم تجربة الطفل وتقدمه للحياة؛ أي أن للأسرة دوراً بارزاً في بناء شخصيته أولاً، ومن ثم يأتي دور التعليم حينما يسعى إلى تقديم رؤية معرفية، تؤهله إلى أن يتقدم إلى مراحل تعليمية متدرجة، تكفل له سلامة تجربته، وتحقق له منهجاً تعليمياً متكاملاً. أما القطب الثالث في هذه الرؤية فيتمثل في الحياة الاجتماعية التي تعد حاضناً معنوياً مهماً، ومترجماً لكل ما يقدمه المنزل والمدرسة من أجل أن يكون عنصراً فاعلاً في الحياة الاجتماعية، ومتفاعلاً مع من حوله.
أما ما يمكن تلمسه من إبداع في مرحلة «رياض الأطفال» فإنه خطوة مهمة، تسعى إلى معرفة ماذا يمكن أن يقدمه الطفل، إلا أن من يقوم بهذه المهام يحتاج إلى مزيد من الخبرة والمران من أجل أن يقدم رؤية متكاملة حول الطفل في هذه المرحلة، وأن تكون الحصيلة المعرفية لدى المربيات والمعلمات على وجه الخصوص عالية جداً.
فالمشروع الذي يمكن لنا أن نستثمر فيه هو إعداد وتهيئة «رياض الأطفال» بشكل متطور ومتكامل، من حيث البيئة والرؤية التربوية والتعليمية التي تسعى إلى صياغة مفهوم جديد للتعليم المبكر، الذي يتطلب الكثير من الخبرات، واستقطاب التجارب المفيدة لهذه المرحلة.
فمن المهم والحيوي أن يتم قلب الهرم الوظيفي في التعامل مع هذه المرحلة، أي أن تُسند مهام تعليم الأطفال إلى أساتذة مختصين، يحملون شهادات عليا؛ لكي يقدموا رؤية تربوية وتعليمية وتثقيفية عالية الجودة، وهذا ما تعمل به الكثير من المجتمعات، ولاسيما تجربة الاتحاد الأوروبي وروسيا منذ عقود؛ إذ ساعدت هذه التجربة على خلق جيل قوي ومثمر ومتسلح بالكثير من القيم والمعارف والعلوم التي نحتاج إليها في هذا الزمن.