عبدالحفيظ الشمري
من التجارب التعاونية المفيدة، والرؤى التضامنية المميزة في العصر الحديث قيام «الجمعيات التعاونية» التي تشكلت بوعي، ونضجت بأطر عملية؛ مطلع القرن الماضي، فكانت في مجملها جهداً حضارياً؛ تعاون فيها الجميع، من أجل تقديم خدمات ضرورية للمجتمع، عادت بالنفع على من حولهم، سواء كانوا مكونين لهذا الكيان، أو مساهمين في أجزاء منه، لتنعكس نتائجه الإيجابية على الجميع، وتظل هذه الجمعيات التعاونية كيانات اقتصادية وتجارية مبطنة بهاجس تضامني إنساني، يشيع فكرة التعاون، ويعزز الحس الجمعي، ويزرع روح التعاون بين الناس. وما يعزز هذه الخطوة الإيجابية ويطورها هذه الأيام هو الرغبة لدى الكثير منا بأن يعاد العمل في مثل هذه الأعمال التجارية، من خلال رؤى التعاون والتضامن التي تسهم في بناء رؤية جمعية تقدم الخدمات والسلع والمنتجات دون النظر إلى المكاسب العالية، مع محاربة مفهوم الاستحواذ والهيمنة والحرص قدر الإمكان على أن تكون هذه المشروعات التعاونية منهجاً اجتماعيا واعياً، يضم بين جنباته حالة من التعاون والتكافل، وقضاء الحاجات بين الناس. فقد يذكر الكثير مِنَّا قبل نحو أربعة أو خمسة عقود فكرة الجمعية التعاونية بحلقاتها الأربع المتصلة كسلسلة مترابطة، ظلت ترمز للتعاون، والتضامن، والسعي إلى انجاز عمل تجاري ضروري، لا يخلو من مسحة إنسانية، إلا أنه ومع تحولات الزمن، والطفرة المادية، وقيام المشاريع الكبيرة، والأسواق الضخمة باتت هذه الجمعيات غير قادرة على مواكبة هذا التحول النوعي في الحياة الاقتصادية والتجارية الحديثة. أما وأن تذكرنا ما هو قريب في هذا المجال، وهو مثال حي وواقعي، فإن (الجمعية التعاونية) بشمال العاصمة الرياض قبل أعوام كان لها دور نابه، وكنا بتعاوننا معها ممن يبشرون بعودة العمل التعاوني والتضامني، والمشاريع البسيطة أو الصغيرة والمتوسطة، إلا أن الرياح سارت ضد هذا المشروع، فتكالبت عليها الظروف، لا سيما قيام الكثير من المجمعات والأسواق والمولات العملاقة حولها، لتبتلع كل أحلامنا البسيطة، بحجة انفتاح السوق، وتحرير الاقتصاد، والتكتلات التجارية العملاقة، وانفلات المارد المادي من إساره، والإدعاء بأن زمن البساطة و»البسطات» قد ولى إلى غير رجعة. فقد قيل عن (الجمعية التعاونية) بالرياض إنها ذهبت إلى أماكن أخرى، لتبحث لها عن زبائن وعملاء، وقيل إنها امتلكت مستوصفا تعاونيا في الأحياء الشرقية، ومن ثم تقطعت أخبارا حينما قيل إن هذا المستوصف قد خصص للنساء فقط، مما تسبب في انهيارها كمشروع مغرق بالتخصص والخصوصية. فدعم مثل هذه الأنشطة التجارية المتوسطة والصغيرة، وكذلك الكيانات التعاونية والتضامنية أمر ضروري من أجل قيام مشروع تجاري يعزز القيم الإنسانية، ويقدم رؤية فاعلة تقف في وجه هذا اللهاث المادي المتزايد. ومن سبل حمايتها، وتوفير الأمان لها هو السعي إلى إبعادها عن سلطة وهيمنة أصحاب المشاريع الكبيرة، أو أن يكون هؤلاء الأثرياء مشاركين بفعالية في بناء هذه المنظومات التعاونية والتضامنية وداعمين لها، لعل هذه التجربة تعود من جديد، لنحقق أهم أهدافها المعنوية والمادية، وهي محاربة الجشع، والتكتل المادي، ومجابهة فكر الاستحواذ على كل شيء، والذي يسعى للأسف إلى القضاء على أي حلم تعاوني بسيط.