رقية الهويريني
قبل ما يزيد عن عشر سنوات تحدثت في زاوية «المنشود» حول حملات الحج وتصنيفها لفئاتٍ بحسب القيمة والخدمة المقدَّمة، وانتقدت هذا التصنيف وارتفاع أسعارها الفلكية انطلاقاً من أن هذه الفريضة العظيمة ينبغي أن يتساوى فيها عموم الناس، فقيرهم وغنيهم، ففي القرآن الكريم وصف الله عزَّ وجلَّ هيئة الإبل التي يركبها الحجاج ووسمها بالضمور من جراء وعثاء السفر وطول المسير! إلا أن بعض الحجاج للأسف لا يستمرئ أداء الفريضة إلا حين يصاحبها أبهة ويخالطها تفاخر! ولا يعني ذلك تجشم التعب، ولكن الهدف استشعار المعاناة، كون الفريضة بالأصل ترمز إلى هذا الأمر سواء بالرحلة الطويلة التي بدأها إبراهيم عليه السلام من فلسطين حتى مكة المكرمة، أو ما قاسته السيدة هاجر مع ابنها إسماعيل حين تركهما والده وحدهما في رعاية ربهما، وكانت المكافأة لهذه السيدة الصابرة هي توافد الناس من كافة بقاع الأرض لهذه البقعة المباركة لأداء فرض عظيم من فروض الإسلام، بما يعني أن الرحلة لا بد وأن يشوبها العناء، وتكون على مستوى الكفاف ليعود المسلم بعد أداء حجه كما ولدته أمه بالفعل بعيداً عن البهرجة والاستعراض.
ما لفت نظري هو تجاوز الشكليات والرفاهية في السكن والمواصلات إلى عمد بعض التجار لتسويق وبيع قطع من قماش الإحرام بأسعار مرتفعة تصل لأربعة أضعاف سعرها المعتاد بحجة أنها «ماركة» وإحدى العلامات التجارية الكبرى! وهو ما يتنافى مع مقاصد الشريعة من الحج، وحكمته بلبس الإحرام الموحّد لجميع الحجاج الذي يرمز إلى وحدة المسلمين مضموناً وتوحّدهم شكلاً، والمساواة التامة بينهم بعيداً عن اللون والعرق والجنسية. والأمر بتوحيد هيئة الملبس كي لا يتفاخر غني على فقير ولا يتميز فرد على آخر، ولو كان الأمر مدعاةً للفخر والتباهي لتُرِكَ أمرُ اللبس جانباً وتم الاعتماد على العبادة ذاتها.
وجدير بالحاج ألا يهتم بجودة قطعتي الإحرام (الإزار والرداء)، بل يعتمد على البساطة والتواضع وعدم التكلّف، ويعتني بالنظافة، وضرورة تغييرهما بشكل مستمر حفاظاً على صحته ورائحته ليُتِمَّ حجه وهو موفور العافية، سليم الجسد، نقي النفس من الغرور والكبرياء.
تقبل الله من الحجاج حجهم وأعمالهم، وأعادهم سالمين لبلدانهم، وكل عام وأنتم بخير.