د. محمد عبدالله العوين
إن بشاراً ونظامه ومن وراءه ممن يدعمونه كإيران وروسيا هم سبب خراب سوريا وهلاك شعبها تحت القصف بالبراميل أو الكيماوي أو بيد التنظيمات الإرهابية وفرار الملايين منهم إلى منافي العالم، أو موت آلاف منهم غرقا أو جوعا أو تحت التعذيب في معتقلات الإيواء والتحقيق.
لقد فر ثلاثة عشر مليون سوري هاربين من جحيم وطنهم إلى تركيا والأردن ولبنان ومصر ودول الاتحاد الأوربي وبريطانيا كندا وأمريكا؛ متعلقين بأوهى الأسباب للتشبث بالحياة، وشاهد العالم عشرات المآسي والكوارث التي واجهها هؤلاء المهجرون من ديارهم إلى منافي العالم؛ ما بين غرق في قوارب الموت وسط البحار، أو موت من الجوع والتشرد، أو تحت اضطهاد الأسلاك الشائكة وهراوات جنود الحراسات على الحدود، أو تحت التعذيب الجسدي والنفسي بالضرب أو الاغتصاب!
إنها أكبر مأساة يمر بها شعب في التاريخ الحديث، وأكبر هجرة لشعب أيضاً بعد الحرب العالمية الثانية؛ وأكبر مذبحة بشرية ومشهد تدمير ومرارة إِنسانية يمر بها العالم منذ عام 1945م.
اختيارا أو اضطرارا لم تجد دول الاتحاد الأوربي وغيرها - باستثناء المجر ومقدونيا واليونان - مفرا من فتح حدودها أمام أربعة ملايين وخمسمائة ألف مهجر سوري، واضطرارا أو اختيارا تعقد المفوضية الأوروبيَّة برئاسة جان كلود يونكر جلسة لاتخاذ قرارات حازمة وحاسمة تجاه أزمة المهجرين الزاحفين على دول أوروبا؛ بحيث تتقاسم المجموعة الأوروبيَّة هذا العبء بينها كل دولة حسب استطاعتها وظروفها؛ فكان من نصيب ألمانيا وهي أول دولة أوروبية أعلنت مستشارتها ترحيبها باستقبال المهجرين مليون لاجئ سوري، والنرويج والدنمارك وكندا وإيطاليا والسويد نصف مليون لكل دولة، وصربيا وبولندا وهنغاريا وأوكرانيا وتشيكيا مائة ألف لكل دولة، والنمسا وفرنسا ثلاثمائة ألف، وأسبانيا مائتا ألف.
لقد أثارت أنجيلا ماركيل المستشارة الألمانية زخما من المشاعر الإِنسانية العالية حين أعلنت فتح أبواب ألمانيا أمام زحف المهجرين، وهيأت لآلاف الفارين من نير اضطهاد حكومة المجر المستبدة أماكن الإيواء واستقبلهم الشعب الألماني في ميونيخ وغيرها من المدن الألمانية بالطعام والشراب ولافتات الترحيب، وهو الشأن نفسه - وإن بصورة أقل - في النمسا وهي الدولة الملاصقة للمجر؛ بينما استخدمت الحكومة الهنغارية أشد أساليب القمع لترحيل من حلوا بأرضها قادمين من اليونان بعد أن رماهم البحر وعجزت الجزر والمدن اليونانية عن إيوائهم بسبب ما تعانيه من البطالة والفقر والديون نتيجة الأزمة المالية الطاحنة التي تمر بها اليونان.
تفاوتت حالات التفاعل الإِنسانية عند دول العالم مع أزمة المهجرين السوريين؛ فما بين دولة كمقدونيا تستخدم القوة العسكرية لطردهم وتعاقب بالسجن والغرامات من ينقل سوريا إلى دولة كبرى كألمانيا تكتب لها سفرا مضيئا في التاريخ الإِنساني بالوقوف إلى جانب من وطأت قدماه أرض ألمانيا؛ ليجد المأوى والإقامة الميسرة والإعانة المالية - كلاجئ - التي تساعده على العيش.
ويثير تدفق ملايين اللاجئين على أوروبا والتسهيلات التي قدمت لهم وتوزيع مسؤولية استقبالهم من قبل المفوضية الأوروبيَّة ووضع إجراءات لدمجهم في المجتمعات الأوروبيَّة وكندا وأمريكا تساؤلات عن مستقبل سوريا، وهل هو تصرف عفوي إِنساني تشكر عليه دول الاتحاد الأوربي وكندا وأمريكا أم أن وراء هذا النزيف البشري ووراء استمرار أسبابه الباعثة على الهجرة والفرار من الجحيم السوري أهداف وغايات أخرى بعيدة؟!
المشهد السوري يقول الآن إن أعراقا إيرانية أو من أصول فارسية ومن ينتمون إلى الطائفة العلوية من العراق ولبنان وإيران وغيرها هم البديل الذي يحل محل ملايين المهجرين من كل أنحاء سوريا؛ لا من ريف دمشق أو المدن القريبة من الساحل أو المحاذية للحدود التركية!
ألم أقل من قبل ويقول غيري كثيرون : إنها مؤامرة محكمة تجري وفق خطة، بدأت بالتدمير ومرت بالتهجير وتنتهي بالتوطين والتقسيم.
المملكة لا تقيم مخيمات للإيواء؛ بل فتحت أبوابها مشرعة لمليونين ونصف المليون سوري ضيوفا أعزاء بين إخوانهم وأهلهم إلى أن يكتب الله الفرج لهم وتعود الحياة إلى سوريا.