د. محمد عبدالله العوين
أثمرت المحادثات التي أجراها الملك سلمان مع أوباما عن إيضاح تام لوجهات النظر السعودية ورؤاها المعتدلة لحل إشكالات المنطقة وإعادة السلام والاستقرار والأمن إلى ربوعها من خلال اتخاذ مواقف منصفة للشعب الفلسطيني، وكبح لجام التغول الإيراني، والتأكيد على ضوابط مراقبة الاستخدام السلمي للطاقة النووية الإيرانية، والقضاء على بؤر الإرهاب الإيرانية الهادفة إلى زعزعة أمن المنطقة العربية وتقويض الأمن فيها ؛ كما هو شأن بشار في سوريا، وحزب الله في لبنان، والأحزاب الطائفية في العراق، والحوثيين في اليمن، و عملاء إيران في البحرين، والتصدي الحازم كذلك للجماعات المتطرفة التي تتخذ من التقنع بالدين ستارا لارتكاب جرائمها؛ كتنظيم «داعش» الإرهابي الذي لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يمثل الرؤية الإسلامية المتسامحة المحبة للخير وللإنسانية، أو غير داعش ممن يدعون الجهاد ويمارسون الجرائم باسمه كالقاعدة والجماعات المنبثقة منها.
لقد أوضحت المملكة أنها تقف ضد التطرف وتسعى إلى استئصاله ومواجهة كافة سبله التي يتسلل من خلالها إلى أفكار الشباب ويلبس عليهم القضايا ويشوش أمام أعينهم الرؤية؛ ليسهل عليه استقطاب مزيد من الأتباع من الشبان المتحمسين المندفعين الذين لا يرون أبعد من مرمى أبصارهم.
لقد عانت المملكة الكثير من ويلات التطرف وما ارتكبته الجماعات التكفيرية طوال العقدين الماضيين ؛ فقد استهدف المتطرفون المواطنين والمقيمين ورجال الأمن على السواء، واعتدوا على المنشآت الحكومية ومراكز الأمن، وأثاروا الرعب ساعين إلى إحداث انفلات أمني كبير وإلى فوضى عارمة؛ ولكن الأمن السعودي متضافرا مع المواطنين استطاع القضاء على البؤر الإرهابية التي تنتج وتفرخ وتشحن أمثال أولئك الشاذين فكريا، وتم القضاء على عدد كبير من حملة ذلك الفكر الأسود المشئوم ؛ مما اضطر من تخفى منهم إلى أن يتسلل هاربا إلى خارج المملكة ؛ باحثا عن مأوى أو حضن يحتمي به ليمارس إجرامه أيضا في مناطق الصراع والمواضع الملتهبة في أقطار الوطن العربي.
لقد كشفت أزمات التطرف والمخاض العنيف الذي تمر به المنطقة العربية بسبب تداعيات الخريف العربي الوجه الحقيقي الناصع لسياسة المملكة العربية السعودية ومكامن القوة التي تتمتع بها المتمثلة في هذه المرتكزات الهامة التي تعد بنى تحتية أصيلة؛ قد لا تتوافر لبلدان أخرى اهتزت وتداعت حين اكتسحتها عاصفتا التطرف والخريف المشئوم :
1 - تنطلق المملكة من رؤية دينية نقية خالصة من الشوائب والخرافات، وتتسع رؤيتها لاستيعاب الاجتهادات المخلصة المتزنة الأخرى النابعة من إخلاص وصدق انتماء، كما أن المملكة تؤمن بالتحديث والانفتاح على الثقافات الأخرى بصورة لا تخل بهويتها ولا تؤثر على منطلقاتها.
2 - للمملكة رسالة إسلامية عالمية؛ باعتبارها حاضنة الحرمين الشريفين ومهبط الوحي.
3 - تؤمن المملكة بدورها القومي في محيطها العربي ولا يمكن أن تضعف أو تتخلى عنه لسيادة شعوبيات غريبة عنه، وهذا ما يفسر «عاصفة الحزم» التي ترد غائلة احتلال بلد عربي ورميه في أحضان إيران.
4 - تتكئ المملكة على موروث إسلامي وعربي وتاريخي زاخر وغني بالقيم والبطولات والإضافات القيادية للأمة الإسلامية والعربية منذ أن بزغ فجر الإسلام.
5 - توظف المملكة ما حباها الله به من خيرات في سبيل تنمية الوطن وبناء نهضته، وتسهم كذلك في الأمن والاستقرار الاقتصادي العالمي وفي مد يد العون والمساعدة الإنسانية للبشر جميعا في أقطار الدنيا كافة.
6 - تبني المملكة شراكات وعلاقات استراتيجية مع الدول الكبرى القيادية في العالم، من باب «تبادل المنافع» مع الحفاظ على القرار الذاتي للدولة وعدم التدخل في أي مما يمس السيادة الوطنية.
إن هذه المنطلقات التي تجلت بكل الوضوح لدولة كبرى كأمريكا عمقت الشراكة الإستراتيجية بين الدولتين؛ باعتبار أن السعودية هي ركيزة الاستقرار السياسي والاقتصادي والأمني في المنطقة العربية والإسلامية والذي يؤثر بصورة أو بأخرى على العالم أجمع؛ حين يتعرض للاضطراب والفوضى.