د. محمد عبدالله العوين
لا يمكن لأحد أن يتصور مشاعر الابتهاج والفرح والانتشاء التي شعر بها الكثيرون من أبناء المملكة بعد أن شاهدوا التجربة الأولى لتشغيل رحلة قطار «سار» «الشمال - الجنوب»، التي انطلقت من محطة القصيم إلى محطة مطار الملك خالد الدولي بالرياض، وقطعت المسافة البالغة 270كم في أقل من ساعتين بسرعة 200كم في الساعة.
إنه إنجاز كبير - لا شك - تُشكر على إتمامه شر
كة «سار» في وقت قياسي، وبمواصفات عالية، وإتقان متميز كما بدا من خلال التجربة التي سُجلت على مقاطع فيديو ولقطات متعددة لعربات القطار ومرافقه ومقاعده، وللمحطات التي توقف عندها.
وتتولى «سار» تنفيذ ما أسمته «قطار الشمال - الجنوب»، الذي يبدأ من الرياض ماراً بسدير والمجمعة والقصيم، ومتفرعاً إلى الدمام والجبيل والخُبر، ثم ممتداً من القصيم وحائل والجوف إلى القريات في أقصى الشمال، ومتفرعاً إلى خطوط لنقل المعادن بطول إجمالي يصل إلى 2750كم.
وسيبدأ العمل قريباً في تنفيذ الجسر البري الذي يربط الرياض بمكة المكرمة ماراً بجدة بطول يبلغ 958كم بالمواصفات نفسها، وبأسلوب العمل الناجح الذي يجمع تنفيذ مراحل متعددة في وقت واحد، وطبقته «سار» في خط الشمال - الجنوب، وحين يتم إنجاز هذا المشروع الضخم الواصل بين الرياض ومكة المكرمة بعد أن تم إنجاز قطار الشمال - الجنوب تكون بلادنا قد استكملت الربط الحديدي بين ثلاث من جهاتها، هي (الشمال والشرق والغرب بالعاصمة الرياض). ولا شك أنه حلم كبير، كان الجميع يفكر فيه، وينتظره بعد أن تأخر طويلاً.. وقد أسرعت بإنجازه بهذه السرعة وبالمواصفات العالية حرص قيادتنا - وفقها الله - على استكمال أوجه النهضة في البلاد بأسرع وقت، وعلى أعلى مستوى، ومن ذلك تدارك النقص الحاد في بنية السكك الحديدية التي تربط كل أنحاء وجهات المملكة بعضها ببعض، وهو ما تم بالفعل حين صدر قرار ملكي عام 1424هـ في عهد الملك - عبد الله رحمه - بتأسيس شركة خاصة، تتولى تنفيذ قطار الشمال الجنوب، وتم بالفعل تأسيس الشركة السعودية للخطوط الحديدية «سار» بتمويل من صندوق الاستثمارات العامة (الذراع الاستثمارية لوزارة المالية).
وأمام هذه الطموحات الكبيرة المقدرة أتساءل بصفاء نية وبوطنية شاملة، لا يمكن أن تتجزأ؛ فكل ذرة من تراب وطني علي وعليكم غالية: كيف يُنسى جنوب المملكة، بدءاً من الرياض ممتداً إلى الخرج وحوطة بني تميم والأفلاج ووادي الدواسر، وواصلاً إلى جازان، ومتفرعاً إلى نجران، من أن توضع له خطة، وتُرسم لمساره خارطة، ويُحسب له زمن، وتُرصد له ميزانية؛ ليتم إنجازه مع ما تم وسيتم من مشاريع الربط الحديدية؟!
كيف وُضعت خطط مسارات السكك الحديدية (قطار الشمال - الجنوب، قطار الحرمين والجسر البري)، ولم يرد على بال المخططين التفكير برسم خطة مسار الرياض - الجنوب؟!
كيف يغفل المخططون عن إدراك أهمية خط حديدي، يربط بين وسط المملكة وجنوبها؛ وبالتالي بين الجنوب وبقية الجهات؟!
ألم يدرك من يرسم خطط المشروعات التوسعية القادمة لسكك الحديد الكثافة السكانية لهذه المناطق بما يحتشد فيها من ملايين السكان في عشرات المدن ومئات القرى والأرياف والهجر؟!
ألم يتصور المخططون كم تنتج تلك المناطق من المحصولات الزراعية والحيوانية والبترولية؟!
ألم يدرك المخططون أهمية هذا الطريق الحديدي، ليس من الجانب التنموي فحسب، بل من الجانب الآخر المهم، وهو الحفاظ على المواطنين الذين يسلكون الطريق البري السيئ الوحيد من ظاهرة مجزرة حوادث السيارات التي لم يسلم منها بيت من بيوت أبناء مدن وقرى تلك المناطق إلا فُجع بحالة مؤلمة؟!
ألم يتصور المخططون كم يمثل هذا الطريق الحديدي من أهمية عسكرية، تساعد على نقل المعدات والتجهيزات العسكرية والمؤن والجنود، وغير ذلك، حين الحاجة إلى مواجهة أي طارئ في جنوب المملكة، وقد حدث إبان أزمة الكويت مع العراق 1411هـ أن فُرّغت ساعات عديدة من كل يوم لمرور المعدات العسكرية ونقلها من الجنوب إلى الشرق!
يتبع..