د. محمد عبدالله العوين
أمام قصور في التصور، وحشد كبير من التساؤلات، وتذكير ببعض ما ستضيفه سكة حديد الرياض الجنوب حين تنجز بالمواصفات العالية، وبالسرعة الزمنية الرائعة التي تم بها تنفيذ قطار الشمال الرياض؛ سأجتهد في البحث عن سبب يمكن أن يكون وراء غياب تصور سكة حديد الرياض الجنوب عن أذهان المعنيين؛ سواء كانت المؤسسة العامة التي يرأس معالي وزير النقل مجلس إدارتها، أو شركة سار التي ليس من مسؤولياتها التخطيط؛ بل ينحصر اهتمامها في تنفيذ ما يوكل إليها، وقد تميزت فيه مشكورة.
إنني أرجع القصور في عدم تصور احتياج بعض المناطق كجنوب المملكة لخدمات السكك الحديدية إلى ما عرف عن وزارة المواصلات «الاسم القديم» لوزارة النقل طوال سنين عديدة من عدم اقتناع بأهمية الطرق الحديدية؛ لعدم توافر الجدوي الاقتصادية كما كان يصرح به بعض مسئولي الوزارة قبل أكثر من ثلاثين عاماً، وهو ما انعكس بالفعل على أن تحافظ وزارة المواصلات - آنذاك - على خطها الوحيد الذي تتولى المؤسسة العامة للخطوط الحديدية تشغيله وإدارته.
وتوقف التفكير عند الوزارة عن التوسع أو التمدد أو التطوير لسكتها الوحيدة؛ انطلاقاً من فكرة عدم وجود جدوى اقتصادية.
ولولا إيمان واقتناع قيادتنا - وفقها الله - بضرورة ربط جهات المملكة الأربع؛ لما فرحنا واستبشرنا بتجربة تشغيل الرحلة الأولى لقطار الشمال الرياض.
وربما جاء تكوين «سار» وربطها إشرافاً وتمويلاً بوزارة المالية مباشرة سعياً عملياً للخروج من رتابة أداء «المؤسسة العامة للخطوط الحديدية» التي نامت عقوداً طويلة ربما جاوزت نصف قرن دون أن تتمدد أو تتوسع، ودون أن ترتقي إلى ما وصلت إليه خدمات السكك الحديدية في العالم من تقدم تقني ورفاهية عالية وحداثة في السرعة تختصر الوقت وتتلافى العطل والانتظار وضياع الوقت.
خمسون عاماً ووزارة المواصلات قديماً والنقل حديثاً مرت على هذه المؤسسة التي حافظت على الخط الوحيد الذي أنجزته شركة أرامكو وافتتحه المغفور له الملك عبد العزيز عام 1371هـ.
وأمام قصور في التصور الإستراتيجي عند وزارة النقل وضعف في الأداء والتشغيل عند المؤسسة العامة، وفي المقابل نجاح باهر وتميز لافت الانتباه حققته شركة «سار في وقت قياسي بالمقارنة بين خمسين عاماً هو عمر المؤسسة العامة وعشر سنوات تقريباً هو عمر «سار» لم لا يتم دمج المؤسسة بالشركة، وتتفرغ وزارة النقل للطرق المعبدة الطويلة والقصيرة، وما أثقل هذا الحمل وأشقه وأحوجه إلى جهود مضاعفة لتعبيد طرق جديدة وصيانة طرق قديمة متهالكة، وتختص «سار» بسكك الحديد وشؤونها وشجونها وصيانتها وتدريب أجيال العاملين فيها، وأمامها خطط ومشروعات كبيرة لربط بقية أنحاء المملكة مدناً وقرى بعضها ببعض؟!
إن الغاية من الدمج توحيد الجهود وتجميعها لتصب في مسار واحد؛ تلافياً لتضاربها أو عدم تكاملها.
ولا أدري عن مدى مساحة التنسيق بين الجهات الثلاث التي تعنى بالنقل عن طريق سكك الحديد؛ لكن نجاح «سار» وإخفاق المؤسسة ومن خلفها وزارة النقل في هذا الشأن يدعو إلى ضرورة البحث عن أسلوب جديد لتوحيد العمل في هذا النطاق المهم؛ لنخرج بخطة عمل جديدة تتلمس الاحتياجات الفعلية الباقية لما لم يتم تغطيته بعد بالسكك الحديدية من مناطق المملكة. وإلا هل يمكن أن يقبل تناسي النصف الجنوبي من مساحة المملكة بضخامة سكانه وتعدد مدنه وقراه وأريافه وتنوع إنتاجه من أن يكون موجوداً في خطط ومراحل السكك الحديدية؟!
إنه سيكون يوماً عظيماً لا شك حين يتنقل أبناء المملكة بين جهات بلادنا الأربع عبر سكك حديدية آمنة حديثة تخفف من مجازر الطرق وتختصر الوقت وتنتعش حركة التجارة وتسهم في تخفيف الضغط على الخطوط الجوية والبرية.
لقد انطلقنا - ولله الحمد - في هذا المجال وبدأت ثمار العزيمة والطموح متمثلة في قطار شمال الرياض وقطار الحرمين وقريباً الجسر البري بين الرياض وجدة، ونأمل - إن شاء الله - أن يضم إلى هذه الطموحات الكبيرة قطار الرياض الجنوب.